وقوله - تعالى - : { ذُو مِرَّةٍ فاستوى } صفة أخرى من صفات جبريل - عليه السلام - والمرة - بكسر الميم - تطلق على قوة الذات ، وحصافة العقل ورجاحته ، مأخوذ من أمررت الحبل ، إذا أحكمت فتله .
وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ . . }
( علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . .
والشديد القوي ذو المرة [ أي القوة ] ، هو جبريل - عليه السلام - وهو الذي علم صاحبكم ما بلغه إليكم .
وهذا هو الطريق ، وهذه هي الرحلة ، مشهودة بدقائقها : استوى وهو بالأفق الأعلى . حيث رآه محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وكان ذلك في مبدأ الوحي . حين رآه على صورته التي خلقه الله عليها ، يسد الأفق بخلقه الهائل .
وقال هاهنا : { ذُو مِرَّةٍ } أي : ذو قوة . قاله مجاهد ، والحسن ، وابن زيد . وقال ابن عباس : ذو منظر حسن .
وقال قتادة : ذو خَلْق طويل حسن .
ولا منافاة بين القولين ؛ فإنه ، عليه السلام ، ذو منظر حسن ، وقوة شديدة . وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وابن عمرو {[27565]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحل الصدقة لغنيٍّ ، ولا لِذِي مرّة سَوِيّ " {[27566]} .
وقوله : { فَاسْتَوَى } يعني : جبريل ، عليه السلام . قاله مجاهد والحسن وقتادة ، والربيع بن أنس .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذو مرة} يعني جبريل، عليه السلام، يقول: ذو قوة.
{فاستوى} يعني سويا، حسن الخلق.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى "اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ذُو مِرّةٍ"؛
فقال بعضهم: معناه: ذو خَلْق حَسَن...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوّة... قال ابن زيد، في قوله: "ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى" قال: ذو قوّة، المرّة: القوّة...
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمِرّة: صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات، والجسم إذا كان كذلك من الإنسان، كان قويا، وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لأن المِرة واحدة المِرر، وإنما أُريد به: ذو مِرّة سوية. وإذا كانت المِرّة صحيحة، كان الإنسان صحيحا. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلّ الصّدَقَةُ لِغَنِيّ، وَلا لِذِي مِرّةٍ سِوِيّ».
وقوله: "فاسْتَوَى وَهُوَ بالأُفُقِ الأعْلَى" يقول: فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى، وذلك لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى، وهو الأفق الأعلى، وعطف بقوله: «وهو» على ما في قوله: «فاستوى» من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم... وقد قيل: إن المستوي: هو جبريل، فإن كان ذلك كذلك، فلا مُؤْنة في ذلك، لأن قوله: وهو من ذكر اسم جبريل، وكأن قائل ذلك وجّه معنى قوله: "فاسْتَوَى": أي ارتفع واعتدل.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
["ذو مِرة"]... وأصله من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"ذو مرة " صفة لجبرائيل (عليه السلام) أي صاحب مرة، وهي القوة. وأصل المرة شدة الفتل، وهو ظاهر في الحبل الذي يستمر به الفتل حتى ينتهي إلى ما يصعب به الحل. ثم تجري المرة على القدرة، لأنه يتمكن بها من الفعل، كما يتمكن من الفعل بالآلة، فالمرة والقوة والشدة نظائر. وقوله " فاستوى " معناه استولى بعظم القوة، فكأنه استوت له الأمور بالقوة على التدبير.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ذُو مِرَّةٍ} ذو حصافة في عقله ورأيه ومتانة في دينه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ذو مرة} أي حزم في قوة وقدرة عظيمة على الذهاب فيما أمر به والطاقة لحمله في غير آية النشاط والحدة كأنه ذو مزاج غلبت عليه الحدة فهو صعب المراس ماض...
على طريقة واحدة على غاية من الشدة لا توصف لا التفات له بوجه إلى غير ما أمر به، فهو على غاية الخلوص فهو مجتمع القوى مستحكم الشأن شديد الشكيمة...
وإلى ذلك كله أشار بما سبب عن هذا من قوله: {فاستوى} فاستقام واعتدل بغاية ما يكون من قوته على أكمل حالاته في الصورة التي فطر عليها...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمستوي هو جبريل. ومعنى استوائه: قيامه بعزيمة لتلقي رسالة الله، كما يقال: استقل قائماً، ومثل: بين يدي فلان، فاستواء جبريل هو مبدأ التهيُّؤ لقبول الرسالة من عند الله، ولذلك قيد هذا الاستواء بجملة الحال في قوله: {وهو بالأفق الأعلى}. والضمير لجبريل لا محالة، أي قبل أن ينزل إلى العالم الأرضي.
وهنا قال: {ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ} أي صاحب (مِرَّة) وهي القوة في كل ما يتناوله...
ومعنى {فَٱسْتَوَىٰ} علَّمه جبريل حتى استوى رسول الله ونضج في عملية التحصيل الكافي لهداية العالم، فحمَّله هذه المهمة ليهدي الناس...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.