فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ} (6)

{ ذو مرة } أي قوة وشدة في الخلق ، وقيل ذو صحة جسم ، وسلامة من الآفات .

" ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي " {[1543]} وقيل ذو حصافة عقل ومتانة رأي قال قطرب : العرب تقول لكم من هو جزل الرأي ، حصيف العقل : ذو مرة ، والتفسير للمرة بهذا أولى ، لأن القوة والشدة قد أفادها قوله : شديد القوى ، قال الجوهري : المرة إحدى الطبائع الأربع ، والمرة القوة وشدة العقل ، وقال ابن عباس : ذو خلق حسن ، وقيل منظر حسن ، وقيل : قوة في العقل وحدة ، بحيث لا يدفعه عما يزاوله دافع ، ولا يسأم من شيء يزاوله ، فحصل الفرق بين القوة والمرة ، ومن جملة شدته وقوته قدرته على التشكيل فلذلك قال :

{ فاستوى } أي ارتفع جبريل وعلا إلى مكانه في السماء ، بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وقيل : معناه قام في صورته التي خلقه الله عليها ، لأنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين ، كما يأتي إلى الأنبياء ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي جبله الله عليها ، فأراه نفسه مرتين ، مرة في الأرض ومرة في السماء ، ولم يره أحد من الأنبياء على صورته التي خلق عليها إلا نبينا صلى الله عليه وسلم ، وقيل : المعنى فاستوى القرآن في صدره صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه ، أو صدر جبريل حين نزل به ، وقيل : المعنى اعتدل محمد في قوته أو في رسالته ، ذكره الماوردي وقيل : المعنى ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم بالمعراج ، وقال الحسن : فاستوى يعني الله عز وجل على العرش ، والأول أولى ، وقيل : المعنى فاستوى جبريل عاليا على صورته ، لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك رآه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا .


[1543]:رواه مسلم.