روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ} (6)

{ ذُو مِرَّةٍ } ذو حصافة واستحاكم في العقل كما قال بعضهم ، فكأن الأول وصف بقوّة الفعل ، وهذا وصف بقوّة النظر والعقل لكن قيل : إن ذاك بيان لما وضع له اللفظ فإن العرب تقول لكل قوى العقل والرأي { ذُو مِرَّةٍ } من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله . وإلا فوصف الملك بمثله غير ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البدعية ، وعن سعيد بن المسيب ذو حكمة لأن كلام الحكماء متين ، وروى الطستي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عنه فقال : ذو شدة في أمر الله عز وجل واستشهد له ، وحكى الطيبي عنه أنه قال : ذو منظر حسن واستصوبه الطبري ، وفي معناه قول مجاهد ، ذو خلق حسن : وهو في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوىّ " بمعنى ذي قوة ، وفي «الكشف » إن المِرّة لأنها في الأصل تدل على المرة بعد المرة تدل على زيادة القوة فلا تغفل { فاستوى } أي فاستقام على صورته التي خلقه الله تعالى عليها وذلك عند حراء في مبادي النبوة وكان له عليه الصلاة والسلام كما في حديث أخرجه الإمام أحمد . وعبد بن حميد . وجماعة عن ابن مسعود ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق فالاستواء ههنا بمعنى اعتدال الشيء في ذاته كما قال الراغب ، وهو المراد بالاستقامة لا ضد الإعوجاج ، ومنه استوى الثمر إذا نضج ، وفي الكلام على ما قال الخفاجي : طي لأن وصفه عليه السلام بالقوة وبعض صفات البشر يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في غير هيئته الحقيقية وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر كأنه قيل : فهل رآه على صورته الحقيقية : فقيل ؟ نعم رآه فاستوى الخ ، وفي «الإرشاد » أنه عطف على علمه بطريق التفسير فإنه إلى قوله تعالى : { مَا أوحى } باين لكيفة التعليم ، وتعقب بأن الكيفية غير منحصرة فيما ذكر ، ومن هنا قيل : إن الفاء للسببية فإن تشكله عليه السلام بشكله يتسبب عن قوته وقدرته على الخوارق أو عاطف على { عِلْمِهِ } على معنى علمه على غير صورته الأصلية ، ثم استوى على صورته الأصلية وتعقب بأنه لا يتم به التئام الكلام ويحسن به النظام ، وقيل : استوى بمعنى ارتفع والعطف على علم ، والمعنى ارتفع إلى السماء بعد أن علمه وأكثر الآثار تقتضي ما تقدم .