تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ} (42)

{ 42 - 45 } { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

يقول تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ } من الأمم السالفين ، والقرون المتقدمين ، فكذبوا رسلنا ، وجحدوا بآياتنا . { فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ } أي : بالفقر والمرض والآفات ، والمصائب ، رحمة منا بهم . { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } إلينا ، ويلجأون عند الشدة إلينا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ} (42)

ثم أخذ القرآن فى تسلية النبى صلى الله عليه وسلم وفى بيان أحوال الأمم الماضية فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالبأسآء والضرآء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } .

البأساء : تطلق على المشقة والفقر الشديد ، وعلى ما يصيب الأمم من أزمات تجتاحها بسبب الحروب والنكبات . والضراء . تطلق على الأمراض والأسقام التى تصيب الأمم والأفراد .

والمعنى : ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلا إلى أقوامهم ، فكان هؤلاء الأقوام أعتى من قومك فى الشرك والجحود ، فعاقبناهم بالفقر الشديد والبلاء المؤلم ، لعلهم يخضعون ويرجعون عن كفرهم وشركهم .

فالآية الكريمة تصور لوناً من ألوان العلاج النفسى الذى عالج الله به الأمم التى تكفر بأنعمه ، وتكذب أنبياءه ورسله ، إذ أن الآلام والشدائد علاج للنفوس المغرورة بزخارف الدنيا ومتها إن كانت صالحة للعلاج .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ} (42)

40

( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ، فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون . فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ، ولكن قست قلوبهم ، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون . فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون . فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )

إنها المواجهة بنموذج من بأس الله سبحانه . نموذج من الواقع التاريخي . نموذج يعرض ويفسر كيف يتعرض الناس لبأس الله ، وكيف تكون عاقبة تعرضهم له ، وكيف يمنحهم الله الفرصة بعد الفرصة ، ويسوق إليهم التنبيه بعد التنبيه ؛ فإذا نسوا ما ذكروا به ، ولم توجههم الشدة إلى التوجه إلى الله والتضرع له ، ولم توجههم النعمة إلى الشكر والحذر من الفتنة ، كانت فطرتهم قد فسدت الفساد الذي لا يرجى معه صلاح ، وكانت حياتهم قد فسدت الفساد الذي لا تصلح معه للبقاء . فحقت عليهم كلمة الله . ونزل بساحتهم الدمار الذي لا تنجو منه ديار . .

( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ، فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون . فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم ، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) . .

ولقد عرف الواقع البشري كثيرا من هذه الأمم ، التي قص القرآن الكريم على الإنسانية خبر الكثير منها ، قبل أن يولد " التاريخ " الذي صنعه الإنسان ! فالتاريخ الذي سجله بنو الإنسان حديث المولد ، صغير السن ، لا يكاد يعي إلا القليل من التاريخ الحقيقي للبشر على ظهر هذه الأرض ! وهذا التاريخ الذي صنعه البشر حافل - على قصره - بالأكاذيب والأغاليط ؛ وبالعجز والقصور عن الإحاطة بجميع العوامل المنشئة والمحركة للتاريخ البشري ؛ والتي يكمن بعضها في أغوار النفس ، ويتوارى بعضها وراء ستر الغيب ، ولا يبدو منها إلا بعضها ، وهذا البعض يخطى ء البشر في جمعه ، ويخطئون في تفسيره ، ويخطئون أيضا في تمييز صحيحه من زائفة - إلا قليلا - ودعوى أي بشر أنه أحاط بالتاريخ البشري علما ، وأنه يملك تفسيره تفسيرا " علميًا " وأنه يجزم بحتمياته المقبلة أيضا . . هي أكبر أكذوبة يمكن أن يدعيها بشر ! ومن عجب أن بعضهم يدعيها ! والأشد إثارة للعجب أن بعضهم يصدقها ! ولو قال ذلك المدعي : إنه يتحدث عن [ توقعات ] لا عن [ حتميات ] لكان ذلك مستساغا . . ولكن إذا وجد المفتري من المغفلين من يصدقه فلماذا لا يفتري ؟ !

والله يقول الحق ؛ ويعلم ماذا كان ، ولماذا كان . ويقص على عبيده - رحمة منه وفضلا - جانبا من أسرار سنته وقدره ؛ ليأخذوا حذرهم ويتعظوا ؛ وليدركوا كذلك ما وراء الواقع التاريخي من عوامل كامنة وأسباب ظاهرة ؛ يفسرون بها هذا الواقع التاريخي تفسيرا كاملا صحيحا . ومن وراء هذه المعرفة يمكن أن يتوقعوا ما سيكون ، استنادا إلى سنة الله التي لا تتبدل . . هذه السنة التي يكشف الله لهم عنها . .

وفي هذه الآيات تصوير وعرض لنموذج متكرر في أمم شتى . . أمم جاءتهم رسلهم . فكذبوا . فأخذهم الله بالبأساء والضراء . في أموالهم وفي أنفسهم . في أحوالهم وأوضاعهم . . البأساء والضراء التي لا تبلغ أن تكون " عذاب الله " الذي تحدثت عنه الآية السابقة ، وهو عذاب التدمير والاستئصال . .

وقد ذكر القرآن نموذجا محددا من هذه الأمم ، ومن البأساء والضراء التي أخذها بها . . في قصة فرعون وملئه : ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون . فإذا جاءتهم الحسنة قالوا : لنا هذه ، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه . ألا إنما طائرهم عند الله ، ولكن أكثرهم لا يعلمون . وقالوا : مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين . فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، آيات مفصلات ، فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) . .

وهو نموذج من نماذج كثيرة تشير إليها الآية . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ} (42)

وقوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ } يعني : الفقر والضيق في العيش { وَالضَّرَّاءِ } وهي الأمراض والأسقام والآلام { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } أي : يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ} (42)

{ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك } أي قبلك ، ومن زائدة . { فأخذناهم } أي فكفروا وكذبوا المرسلين فأخذناهم . { بالبأساء } بالشدة والفقر . { والضراء } والضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما . { لعلهم يتضرعون } يتذللون لنا ويتوبون عن ذنوبهم .