البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ} (42)

التضرّع : تَفَعُّل من الضراعة وهي الذلة ، يقال : ضرع يضرع ضراعة ، قال الشاعر :

ليبك يزيدَ ضارع لخصومة *** ومختبطٌ مما تطيح الطوائح

أي ذليل ضعيف .

{ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون } هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وإن عادة الأمم مع رسلهم التكذيب والمبالغة في قسوة القلوب حتى هم إذا أخذوا بالبلايا لا يتذللون لله ولا يسألونه كشفها ، وهؤلاء الأمم الذين بعث الله تعالى إليهم الرسل أبلغ انحرافاً وأشد شكيمة وأجلد من الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خاطبهم تعالى بقوله { قل أرأيتكم } الآية .

وأخبر أنهم عند الأزمات لا يدعون لكشفها إلا الله تعالى ، وفي الكلام حذف التقدير ولقد أرسلنا الرسل إلى أمم من قبلك فكذبوا فأخذناهم وتقدم تفسير البأساء والضراء والترجي هنا بالنسبة إلى البشر أي لو رأى أحد ما حل بهم لرجا تضرعهم وابتهالهم إلى الله في كشفه ، والأخذ الإمساك بقوة وبطش وقهر وهو هنا مجاز عن متابعة العقوبة والملازمة والمعنى لعاقبناهم في الدنيا .