{ وَإِنْ كَذَّبُوكَ ْ } فاستمر على دعوتك ، وليس عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء ، لكل عمله . { فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ْ }
كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ْ }
وقوله : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ } إرشاد من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إذا ما لج أعداؤه في طغيانهم .
أى : وإن تمادى هؤلاء الأشرار في طغيانهم وفى تكذيبهم لك يا محمد ، فقل لهم : أنا مسئول عن عملي أمام الله ، وأنتم مسئولون عن أعمالكم أمامه - سبحانه - وأنتم بريئون مما أعمله فلا تؤاخذوني عليه ، وأنا برئ كذلك من أعمالكم فلا يؤاخذني الله عليها .
فالآية الكريمة تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من قومه . وإعلام له بأن وظيفته البلاغ ، أما حسابهم على أعمالهم فعلى الله - تعالى - .
ويعقب على تقرير مواقفهم من هذا الكتاب بتوجيه الخطاب للرسول - [ ص ] - بألا يتأثر بتكذيب المكذبين ، وأن ينفض يديه منهم . ويعلنهم ببراءته من عملهم ، ويفاصلهم على ما معه من الحق في وضوح وفي حسم وفي يقين :
( وإن كذبوك فقل : لي عملي ولكم عملكم . أنتم بريئون مما أعمل ، وأنا بريء مما تعملون )
وهي لمسة لوجدانهم ، باعتزالهم وأعمالهم ، وتركهم لمصيرهم منفردين ، بعد بيان ذلك المصير المخيف . وذلك كما تترك طفلك المعاند الذي يأبى أن يسير معك ، في وسط الطريق وحده يواجه مصيره فريدا لا يجد منك سنداً . وكثيراً ما يفلح هذا الأسلوب من التهديد !
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وإن كذبك{[14242]} هؤلاء المشركون ، فتبرأ منهم ومن عملهم ، { فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } كقوله تعالى : { قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين } [ سورة الكافرون ] . وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين : { إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } [ الممتحنة : 4 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن كَذّبُوكَ فَقُل لّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيَئُونَ مِمّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيَءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم : وإن كذّبك يا محمد هؤلاء المشركون وردّوا عليك ما جئتهم به من عند ربك ، فقل لهم : أيها القوم لي ديني وعملي ولكم دينكم وعملكم ، لايضرّني عملكم ولا يضرّكم عملي ، وإنما يُجَازَي كلّ عامل بعمله . أنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أعْمَلُ لا تؤاخذون بجريرته ، وأنا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ لا أؤاخذ بجريرة عملكم . وهذا كما قال جلّ ثناؤه : قُلْ يا أيّها الكافِرُونَ لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أنْتُمْ عابِدْونَ ما أعْبُدُ . وقيل : إن هذه الآية منسوخة ، نسخها الجهاد والأمر بالقتال . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنْ كَذّبُوكَ فُقُلْ لي عَمَلِي وَلَكُم عَمَلُكُمْ . . . الآية ، قال : أمره بهذا ثم نسخه ، وأمره بجهادهم .
لما كان العلم بتكذيبهم حاصلاً مما تقدم من الآيات تعين أن التكذيب المفروض هنا بواسطة أداة الشرط هو التكذيب في المستقبل ، أي الاستمرار على التكذيب . وذلك أن كل ما تبين به صدق القرآن هو مثبِت لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أتى به ، أي إن أصروا على التكذيب بعدما قارعتْهم به من الحجة فاعلم أنهم لا تنجع فيهم الحجج وأعلن لهم بالبراءة منهم كما تَبرؤوا منك .
ومعنى : { لي عملي ولكم عملكم } المتاركة . وهو مما أجري مُجرى المثل ، ولذلك بني على الاختصار ووفرة المعنى ، فأفيد فيه معنى الحصر بتقديم المعمول وبالتعبير بالإضافة ب { عَملي } و { عَمَلكم } ، ولم يعبر بنحو لي ما أعمل ولكم ما تعملون ، كما عُبر به بعد .
والبريء : الخلي عن التلبس بشيءٍ وعن مخالطته . وهو فَعيل من بَرّأ المضاعف على غير قياس . وفعل بَرَّأ مشتق من برىء بكسر الراء من كذا ، إذا خلت عنه تبعته والمؤاخذة به .
وهذا التركيب لا يراد به صريحُه وإنما يراد به الكناية عن المباعدة . وقد جاء هذا المكنى به مصرحاً به في قوله تعالى : { فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون } [ الشعراء : 216 ] ، ولذلك فجملة : { أنتم بريئون مما أعمل } إلى آخرها بيان لجملة : { لي عملي ولكم عملكم } ولذلك فصلت .
وإنما عدل عن الإتيان بالعمل مصدراً كما أتي به في قوله : { لي عملي ولكم عملكم } إلى الإتيان به فعلاً صلة ل { ما } الموصولة للدلالة على البراءة من كل عمل يحدث في الحال والاستقبال ، وأما العمل الماضي فلكونه قد انقضى لا يتعلق الغرض بذكر البراءة منه . ولو عبر بالعمل لربما توهم أن المراد عمل خاص لأن المصدر المضاف لا يعم ، ولتجنب إعادة اللفظ بعينه في الكلام الواحد ؛ لأن جملة البيان من تمام المبيَّن ، ولأن هذا اللفظ أنسب بسلاسة النظم ، لأن في ( ما ) في قوله : { مما أعمل } من المد ما يجعله أسعد بمد النَفَس في آخر الآية والتهيئة للوقف على قوله : { مما تعملون } ، ولما في { تعملون } من المد أيضاً ، ولأنه يراعي الفاصلة .
وهذا من دقائق فصاحة القرآن الخارجة عن الفصاحة المتعارفة بين الفصحاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.