فبرأ نفسه مما رمته به ، وقال : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } فحينئذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما ولم يعلم أيهما .
ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه ، قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها ، فمنَّ الله في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما ، تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام ، فانبعث شاهد من أهل بيتها ، يشهد بقرينة من وجدت معه ، فهو الصادق ، فقال : { إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها ، المراود لها المعالج ، وأنها أرادت أن تدفعه عنها ، فشقت قميصه من هذا الجانب .
وهنا نجد يوسف - عليه السلام - لا يجد مفرا من الرد على هذا الاتهام الباطل ، فيقول - كما حكى القرآن عنه - : { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي . . . } .
أى : قال يوسف مدافعا عن نفسه : إنى ما أردت بها سوءا كما تزعم وإنما هي التي بالغت في ترغيبى وإغرائى بارتكاب ما لا يليق معها . .
ثم قال - تعالى - : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ . وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } .
وهذا الشاهد ذهب بعضهم إلى أنه كان ابن خال لها ، وقيل ابن عم لها . .
قال صاحب المنار : " ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ، أنه كان صبيا في المهد ، ويؤيدها ما رواه أحمد وابن جرير والبيهقى في الدلائل عن ابن عباس عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " تكلم في المهد أربعة وهم : صفار ابن ماشطة ابنة فرعون . وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم " .
وروى ابن جرير عن أبى هريرة قال : " عيسى ابن مريم وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا في المهد " وهذا موقوف ، والمرفوع ضعيف ، وقد اختاره ابن جرير ، وحكاه ابن كثير بدون تأييد ولا تضعيف . . "
وعلى أية حال فالذى يهمنا أن الله - تعالى - قد سخر في تلك اللحظة الحرجة ، من يدلى بشهادته لتثبت براءة يوسف أمام العزيز .
وألقى الله - تعالى - هذه الشهادة على لسان من هو من أهلها ، لتكون أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة عنه .
وقد قال هذا الشاهد في شهادته - كما حكى القرآن عنه - { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } أى : من أمام " فَصَدَقَتْ " في أنه أراد بها سوءا ، لأن ذلك يدل على أنها دافعته من الأمام وهو يريد الاعتداء عليها .
{ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } في قوله { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } .
{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } أى من خلف { فَكَذَبَتْ } في دعواها على أنه أراد بها سوءا ، لأن ذلك يدل على أنه حاول الهرب منها ، فتعقبته حتى الباب ، وأمسكت به من الخلف { وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } في دعواه أنها راودته عن نفسه .
وسمى القرآن الكريم ذلك الحكم بينهما شهادة ، لأن قوله هذا يساعد على الوصول إلى الحق في قضية التبس فيها الأمر على العزيز .
وقدم الشاهد في شهادته الغرض الأول وهو - إن كان قميصه قد من قبل - لأنه إن صح يقتضى صدقها ، وقد يكون هو حريصا على ذلك بمقتضى قرابته لها ، إلا أن الله - تعالى - أظهر ما هو الحق ، تكريما ليوسف - عليه السلام - أو يكون قد قدم ذلك باعتبارها سيدة ، ويوسف فتى ، فمن باب اللياقة أن يذكر الفرض الأول رحمة بها .
وزيادة جملة { وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } بعد " فصدقت " وزيادة جملة { وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } بعد " فكذبت " تأكيد لزيادة تقرير الحق كما هو الشأن في إصدار الأحكام .
ويجهر يوسف بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل :
( قال : هي راودتني عن نفسي ) !
وهنا يذكر السياق أن أحدا أهلها حسم بشهادته في هذا النزاع :
( وشهد شاهد من أهلها . إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ؛ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ) . .
فأين ومتى أدلى هذا الشاهد بشهادته هذه ؟ هل كان مع زوجها [ سيدها بتعبير أهل مصر ] وشهد الواقعة ؟ أم أن زوجها استدعاه وعرض عليه الأمر ، كما يقع في مثل هذه الأحوال ان يستدعي الرجل كبيرا من أسرة المرأة ويطلعه على ما رأى ، وبخاصة تلك الطبقة الباردة الدم المائعة القيم !
هذا وذلك جائز . وهو لا يغير من الأمر شيئا . وقد سمي قوله هذا شهادة ، لأنه لما سئل رأيه في الموقف والنزاع المعروض من الجانبين - ولكل منها ومن يوسف قول - سميت فتواه هذه شهادة ، لأنها تساعد على تحقيق النزاع والوصول إلى الحق فيه .
فإن كان قميصه قد من قبل فذلك إذن من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب .
يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ، يوسف هارب ، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ، فلحقته في أثناء ذلك ، فأمسكت بقميصه [ من ورائه ]{[15136]} فَقَدَّته{[15137]} قدًا فظيعا ، يقال : إنه سقط عنه ، واستمر يوسف هاربا ذاهبا ، وهي في إثره ، فألفيا سيدها - وهو زوجها - عند الباب ، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها : { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } أي :{[15138]} فاحشة ، { إِلا أَنْ يُسْجَنَ } أي : يحبس ، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : يضرب ضربا شديدًا موجعا . فعند ذلك انتصر يوسف ، عليه السلام ، بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة ، وقال بارا صادقا{[15139]} { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه ، { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ } أي : من قدامه ، { فَصَدَقَتْ } أي : في قولها إنه أرادها على نفسها ، لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ، فقدت قميصه ، فيصح ما قالت : { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ } وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ، وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه لتردّه إليها ، فقدت قميصه من ورائه .
وقد اختلفوا في هذا الشاهد : هل هو صغير أو كبير ، على قولين لعلماء السلف ، فقال عبد الرزاق :
أخبرنا إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قال : ذو لحية .
وقال الثوري ، عن جابر ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن ابن عباس : كان من خاصة الملك . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والسُّدِّي ، ومحمد بن إسحاق : إنه كان رجلا .
وقال زيد بن أسلم ، والسدي : كان ابن عمها .
وقال ابن عباس : كان من خاصة الملك .
وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قال : كان صبيا في المهد . وكذا رُوي عن أبي هريرة ، وهلال بن يَسَاف ، والحسن ، وسعيد بن جبير والضحاك بن مُزاحم : أنه كان صبيا في الدار . واختاره ابن جرير .
وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - أخبرني عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : " تكلم أربعة وهم صغار " ، فذكر فيهم شاهد يوسف{[15140]} .
ورواه غيره عن حماد بن سلمة ، عن عطاء ، عن سعيد ، عن ابن عباس ؛ أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جُرَيْج ، وعيسى ابن مريم{[15141]} .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : كان من أمر الله ، ولم يكن إنسيا . وهذا قول غريب .
وقوله : { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ } أي : فلما تحقق زوجها صدقَ يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به ، { قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ } أي : إن هذا البهت واللَّطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن ، { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }
ثم قال آمرا ليوسف ، عليه السلام ، بكتمان ما وقع : يا { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } أي : اضرب عن هذا [ الأمر ]{[15142]} صفحا ، فلا تذكره لأحد ، { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلا أو أنه عذرها ؛ لأنها رأت ما لا صبر لها عنه ، فقال لها : { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } أي : الذي{[15143]} وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ، ثم قَذْفه بما هو بريء منه ، استغفري من هذا الذي وقع منك ، { إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصّادِقِينَ * فَلَمّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنّهُ مِن كَيْدِكُنّ إِنّ كَيْدَكُنّ عَظِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : قال يوسف ، لما قذفته امرأة العزيز بما قذفته من إرداته الفاحشة منها مكذّبا لها فيما قذفته به ودفعا لما نُسِب إليه : ما أنا راودتها عن نفسها ، بل هي راودتني عن نفسي . وقد قيل : إن يوسف لم يرد ذكر ذلك لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف الشامي ، قال : ما كان يوسف يريد أن يذكره حتى { قالَتْ ما جَزَاءُ مَنْ أرَادَ بأهْلِكَ سُوءا . . . } ، الآية ، قال : فغضب ، فقال : هي راودتني عن نفسي .
وأما قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، فإن أهل العلم اختلفوا في صفة الشاهد ، فقال بعضهم : كان صبيّا في المهد .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو العلاء بن عبد الجبار ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : تكلم أربعة في المهد ، وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جُريج ، وعيسى ابن مريم عليه السلام .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهُذَليّ ، عن شَهرْ بن حَوْشب ، عن أبي هريرة ، قال : عيسى ، وصاحب يوسف ، وصاحب جُريج . يعني : تكلموا في المهد .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا زائدة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : صبيّ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : كان في المهد صبيّا .
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا أيوب بن جابر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : صبيّ .
حدثني يحيى بن طلحة البربوعي ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : كان صبيّا في مهده .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إدريس ، عن حصين ، عن هلال بن يساف : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : صبيّ في المهد .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : صبيّ أنطقه الله . ويقال : ذو رأي برأيه .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرني عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «تَكَلّمَ أرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ » ، فذكر فِيهمْ شاهِدَ يُوسُفَ .
حُدثت عن الحسين بن الفرج . قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، يزعمون أنه كان صبيّا في الدار .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا عمي . قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : كان صبياّ في المهد .
وقال آخرون : كان رجلاً ذا لحية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان ذا لحية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال : كان من خاصة الملك .
وبه قال : حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير ، سمع عكرمة يقول : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال : ما كان يصبيّ ، ولكن رجلاً حكيما .
حدثنا سَوّار بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح ، قال : حدثنا عمران بن حدير ، عن عكرمة ، وذكره عنده : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها فقالوا : كان صبيّا ، فقال : إنه ليس بصبيّ ولكنه رجل حكيم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال : كان رجلاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : رجل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : رجل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : رجل .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : ذو لحية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ابن عمها كان الشاهد من أهلها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : ذو لحية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان ذا لحية .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن ابن أبي مليكة : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : كان من خاصة الملك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : رجل حكيم كان من أهلها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : رجل حكيم من أهلها .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : كان رجلاً .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن ، في قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال رجل له رأي ، أشار برأيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : يقال : إنما كان الشاهد مشيرا رجلاً من أهل إطفير ، وكان يستعين برأيه . إلا أنه قال : أشهد إن كان قميصه قدّ من قبل لقد صدقت ، وهو من الكاذبين .
وقيل : معنى قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ } : حكم حاكم .
حدثت بذلك عن الفراء ، عن معلى بن هلال ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد .
وقال آخرون : إنما عنى بالشاهد : القميص المقدود .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : قميصه مشقوق من دبر ، فتلك الشهادة .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } : قميصه مشقوق من دُبُر ، فتلك الشهادة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } : لم يكن من الإنس .
قال : حدثنا حفص ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، قال : كان من أمر الله ، ولم يكن إنسيا .
والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : كان صبيّا في المهد للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر من تكلم في المهد ، فذكر أن أحدهم صاحب يوسف . فأما ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود ، فما لا معنى له ؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة ، فقال : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها } ، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة .
وقوله : { إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُبُلً فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذِبِينَ } ، لأن المطلوب إذا كان هاربا فإنما يؤتى من قبل دبره ، فكان معلوما أن الشقّ لو كان من قُبُل لم يكن هاربا مطلوبا ، ولكن كان يكون طالبا مدفوعا ، وكان ذلك شهادة على كذبه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال : أشهد إن كان قميصه قُدّ من قُبل لقد صدقت وهو من الكاذبين ، وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبلاً . { وإنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ فكذبت وَهُوَ مِنَ الصّادِقِينَ } ، وذلك أن الرجل لا يأتي المرأة من دبر . وقال : إنه لا ينبغي أن يكون في الحقّ إلا ذاك . فلما رأى إطفير قميصه قُدّ من دبر عرف أنه من كيدها ، فقال : { إنّهُ مِنْ كَيْدِكُنّ إنّ كَيْدَكُنّ عَظِيمٌ } .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال : يعني الشاهد من أهلها : القميص يقضي بينهما : { إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُبُلً فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذِبِينَ وإنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصّادِقِينَ فَلَمّا رأى قَمِيصَهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إنّهُ مِنْ كَيْدَكُنّ إنّ كَيْدَكُنّ عَظِيمٌ } .
وإنما حذفت «أن » التي تتلقى بها الشهادة ، لأنه ذهب بالشهادة إلى معنى القول ، كأنه قال : وقال قائل من أهلها : إن كان قميصه ، كما قيل : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } ، لأنه ذهب بالوصية إلى القول .
وقوله : { فَلَمّا رأى قَمِيصَهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ } ، خبر عن زوج المرأة ، وهو القائل لها : إن هذا الفعل { من كيدكنّ } : أي صنيعكنّ ، يعني : من صنيع النساء ، { إن كيدكنّ عظيم } . وقيل : إنه خبر عن الشاهد أنه القائل ذلك .
{ قال هي راودتني عن نفسي } طالبتني بالمؤاتاة ، وإنما قال ذلك دفعا لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ، ولو لم تكذب عليه لما قاله . { وشهد شاهد من أهلها } قيل ابن عم لها . وقيل ابن خال لها صبيا في المهد . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " تكلم أربعة صغارا ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام " وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها . { إن كان قميصه قُدّ من قبُل فصدقت وهو من الكاذبين } لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها ، أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه .
جملة { قال هي راودتني عن نفسي } من قول يوسف عليه السّلام ، وفصلت لأنها جاءت على طريقة المحاورة مع كلامها . ومخالفة التعبير بين { أن يسجن أو عذابٌ } دون أن يقول : إلا السجنُ أو عذاب ، لأن لفظ السجن يطلق على البيت الذي يوضع فيه المسجون ويطلق على مصدر سجن ، فقوله : { أن يسجن } أوضح في تسلط معنى الفعل عليه .
وتقديم المبتدأ على خبره الذي هو فعل يفيد القصر ، وهو قصر قلب للرد عليها . وكان مع العزيز رجل من أهل امرأته ، وهو الذي شهد وكان فطناً عارفاً بوجوه الدلالة .
وسمي قوله شهادة لأنه يؤول إلى إظهار الحق في إثبات اعتداء يوسف عليه السّلام على سيدته أو دحضه . وهذا من القضاء بالقرينة البينة لأنها لو كانت أمسكت ثوبه لأجل القبض عليه لعقابه لكان ذلك في حال استقباله له إياها فإذا أراد الانفلات منها تخرق قميصه من قُبُل ، وبالعكس إن كان إمساكه في حال فرار وإعراض . ولا شك أن الاستدلال بكيفية تمزيق القميص نشأ عن ذكر امرأة العزيز وقوع تمزيق القميص تحاول أن تجعله حجة على أنها أمسكته لتعاقبه ، ولولا ذلك ما خطر ببال الشاهد أن تمزيقاً وقع وإلا فمن أين علم الشاهد تمزيق القميص . والظاهر أن الشاهد كان يظن صدقها فأراد أن يقيم دليلاً على صدقها فوقع عكس ذلك كرامة ليوسف عليه السّلام .