أي : هذا { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ْ } سنقصه عليك ، ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا ، وآثاره الصالحة ، ومناقبه الجميلة ، فإن في قصتها عبرة للمعتبرين ، وأسوة للمقتدين ، ولأن في تفصيل رحمته لأوليائه ، وبأي : سبب حصلت لهم ، مما يدعو إلى محبة الله تعالى ، والإكثار من ذكره ومعرفته ، والسبب الموصل إليه . وذلك أن الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته ، وخصه بوحيه ، فقام بذلك قيام أمثاله من المرسلين ، ودعا العباد إلى ربه ، وعلمهم ما علمه الله ، ونصح لهم في حياته وبعد مماته ، كإخوانه من المرسلين ومن اتبعهم ، فلما رأى من نفسه الضعف ، وخاف أن يموت ، ولم يكن أحد ينوب منابه في دعوة الخلق إلى ربهم والنصح لهم .
وقوله - تعالى - : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } خبر لمبتدأ محذوف . أى : المتلو عليك ذكر رحمة ربك عبده زكريا .
ولفظ { ذِكْرُ } مصدر مضاف لمفعوله . ولفظ { رَحْمَةِ } مصدر مضاف لفاعله وهو ربك ، و { عَبْدَهُ } مفعول به للمصدر الذى هو رحمة .
و { زَكَرِيَّآ } هو واحد من أنبياء الله الكرام ، وينتهى نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - .
والمعنى : هذا الذى نذكره لك يا محمد ، هو جانب من قصة عبدنا زكريا ، وطرف من مظاهر الرحمة التى اختصصناه بها ، ومنحناه إياها .
وقوله : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } أي : هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا .
وقرأ يحيى بن يعمر " ذَكَّرَ رحمة ربك عَبْدَهُ زَكَريَّا " .
[ و ]{[18658]} { زَكَرِيَّا } : يمد ويقصر قراءتان مشهورتان . وكان نبيًّا عظيمًا من أنبياء بني إسرائيل . وفي صحيح البخاري : أنه كان نجارًا ، أي : كان يأكل من عمل يديه في النجارة .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ * إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً * قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً } .
اختلف أهل العربية في الرافع للذكر ، والناصب للعبد ، فقال بعض نحويي البصرة في معنى ذلك كأنه قال : مما نقصّ عليك ذكر رحمة ربك عبده ، وانتصب العبد بالرحمة كما تقول : ذكر ضرب زيد عمرا . وقال بعض نحويي الكوفة : رفعت الذكر بكهيعص ، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك ، قال : والمعنى ذكر ربك عبده برحمته تقديم وتأخير .
قال أبو جعفر : والقول الذي هو الصواب عندي في ذلك أن يقال : الذكر مرفوع بمضمر محذوف ، وهو هذا كما فعل ذلك في غيرها من السور ، وذلك كقول الله : بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وكقوله : سُورَةٌ أنْزَلْناها ونحو ذلك . والعبد منصوب بالرحمة ، وزكريا في موضع نصب ، لأنه بيان عن العبد ، فتأويل الكلام : هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا .
{ ذكر رحمت ربك } خبر ما قبله إن أول السورة أو بالقرآن ، فإنه مشتمل عليه أو خبر محذوف أي : هذا المتلو { ذكر رحمة ربك } ، أو مبتدأ حذف خبره أي فيما يتلى عليك ذكرها ، وقرئ { ذكر رحمة } على الماضي و { ذكر } على الأمر . { عبده } مفعول الرحمة أو الذكر على أن الرحمة فاعله على الاتساع كقولك : ذكرني جود زيد . { زكريا } بدل منه أو عطف بيان له .
وارتفع قوله { ذكرُ } فيما قالت فرقة بقوله { كهيعص } وقد تقدم وجه ذلك ، وقالت فرقة : ارتفع على خبر ابتداء تقديره «هذا ذكر » وقالت فرقة : ارتفع بالابتداء والخبر مقدر تقديره فيما أوحي اليك ذكر ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن يعمر «ذَكَرَ رحمة ربك » بفتح الذال والكاف والراء على معنى هذا المتلو ذكر «رحمة » بالنصب ، هذه حكاية أبي الفتح .
وحكى أبو عمرو الداني عن ابن يعمر أنه قرأ «ذَكِّر رحمةَ » بفتح الذال وكسر الكاف [ المشددة ]{[2]} ونصب الرحمة و «عبدَه » نصب ب «الرحمة » التقدير ذكر أن رحم ربك عبده « ، ومن قال في الكلام تقديم وتأخير فقد تعسف . وقرأ الجمهور » زكرياء «بالمد ، وقرأ الأعمش ويحيى وطلحة » زكريا «بالقصر وهما لغتان وفيه لغات غيرهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.