تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

هذا وإن كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم ، و يفرون{[1098]}  منه [ غاية الفرار ] ، فإن ذلك لا ينجيهم ، بل لا بد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم .

ثم بعد الموت واستكمال الآجال ، يرد الخلق كلهم يوم القيامة إلى عالم الغيب والشهادة ، فينبئهم بما كانوا يعملون ، من خير وشر ، قليل وكثير .


[1098]:- في ب: بل يفرون.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يخبرهم بأنهم لا مفر لهم من الموت ، مهما حرصوا على الهروب منه . فقال - تعالى - : { قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ . . . } .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء اليهود الذين يكرهون الموت ، ويزعمون أنهم أحباب الله ؟

قل لهم على سبيل التوبيخ والتبكيت : إن الموت الذى تكرهونه ، وتحرصون على الفرار منه ، لا مهرب لكم منه ، ولا محيص لكم عنه ، فهو نازل بكم إن عاجلا أو آجلا كما قال - سبحانه - { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ . . . } فالمقصود بهذه الآية الكريمة إخبارهم بأن هلعهم من الموت مهما اشتد لن يفيدهم شيئا ، لأن الموت نازل بهم لا محالة .

ثم بين - سبحانه - أنهم بعد الموت ، سيجدون الجزاء العادل فقال : { ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - : إن الموت نازل بكم لا محالة . ثم بعد هلاككم سترجعون إلى الله - تعالى - الذى يعلم السر والعلانية ، والجهر والخفاء ، فيجازيكم على أعمالكم السيئة ، بما تستحقونه من عقاب .

فالمراد بالإنباء عما كانوا يعملونه ، الحساب على ذلك ، والمجازاة عليه .

وشبيه بهذه الآيات قوله - تعالى - فى سورة البقرة : { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عِندَ الله خَالِصَةً مِّن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ والله عَلِيمٌ بالظالمين وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

وفي نهاية الجولة يقرر حقيقة الموت وما بعده ، ويكشف لهم عن قلة الجدوى في فرارهم من الموت ، فهو حتم لا مهرب منه ، وما بعده من رجعة إلى الله ، وحساب على العمل حتم كذلك لا ريب فيه :

( قل : إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم . ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ، فينبئكم بما كنتم تعملون ) . .

وهي لفتة من اللفتات القرآنية الموحية للمخاطبين بها وغير المخاطبين . تقر في الأخلاد حقيقة ينساها الناس ، وهي تلاحقهم أينما كانوا . . فهذه الحياة إلى انتهاء . والبعد عن الله فيها ينتهي للرجعة إليه ، فلا ملجأ منه إلا إليه . والحساب والجزاء بعد الرجعة كائنان لا محالة . فلا مهرب ولا فكاك .

روى الطبري في معجمه من حديث معاذ بن محمد الهذلي عن يونس عن الحسن عن سمرة مرفوعا : " مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب ، تطلبه الأرض بدين ، فجاء يسعى ، حتى إذا أعيا وأنهر دخل جحره ،

فقالت له الأرض : يا ثعلب ! ديني . فخرج له حصاص . فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات " . .

وهي صورة متحركة موحية عميقة الإيحاء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } كقوله تعالى في سورة النساء : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ]

وفي معجم الطبراني من حديث معاذ محمد بن محمد الهذلي ، عن يونس ، عن الحسن ، عن سَمُرَة مرفوعا : " مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين ، فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل جحره ، فقالت له الأرض : يا ثعلب ديني . فخرج له حُصَاص ، فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ، فمات " . {[28826]}

إنما سميت الجمعة جمعة ؛ لأنها مشتقة من الجمع ، فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مَرَّةً بالمعابد الكبار وفيه كَمُل جميع الخلائق ، فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض . وفيه خلق{[28827]} آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها . وفيه تقوم الساعة . وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه{[28828]} إياه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح{[28829]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا عَبِيدة بن حُمَيد ، عن منصور ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن قَرْثَع الضبي ، حدثنا سلمان قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " يا سلمان ، ما يوم الجمعة ؟ " . قلت : الله ورسوله أعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم جُمع فيه أبواك - أو أبوكم " {[28830]}

وقد رُوي عن أبي هُريرة ، من كلامه ، نحو هذا ، فالله أعلم .

وقد كان يقال له في اللغة القديمة يوم العروبة . وثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فَضَلّوا عنه ، واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق{[28831]} واختار النصارى يومَ الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق ، واختار الله لهذه الأمة [ يوم ] {[28832]} الجمعة الذي أكمل الله فيه الخَليقَةَ ، كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا . ثم هذا يَومُهم الذي فَرض الله عليهم ، فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تَبَعٌ ، اليهود غدًا ، والنصارى بعد غد " {[28833]} لفظ البخاري .

وفي لفظ لمسلم : " أضل الله من كان قبلنا{[28834]} فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد . فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضي بينهم{[28835]} قبل الخلائق " .


[28826]:- (1) المعجم الكبير (7/222) ورواه العقيلي في الضعفاء (4/200) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/405) وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ في حديثه وهم، ولا يتابع على رفعه، وإنما هو موقوف على سمرة".
[28827]:- (1) في أ: "خلق الله".
[28828]:- (2) في أ: "أعطاه الله".
[28829]:- (3) منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه مسلم في صحيحه برقم (854) وبرقم (852) وحديث أوس بن أوس رضي الله عنه رواه أحمد في المسند (4/8).
[28830]:- (4) رواه الطبراني في المعجم الكبير (6/237) والحاكم في المستدرك (1/277) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي معشر به، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد واحتج الشيخان بجميع رواية غير قرثع سمعت أبا علي القاري يقول: أردت أن أجمع مسانيد قرثع الضبي فإنه من زهاد التابعين فلم يسند تمام العشرة".
[28831]:- (5) في م: "خلق آدم".
[28832]:- (6) زيادة من م، أ.
[28833]:- (7) هذا اللفظ لم أقع عليه من هذا الطريق في صحيح البخاري وهو في صحيح مسلم برقم (855) وهذا لفظه.
[28834]:- (1) بعدها في أ: "ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم".
[28835]:- (2) في م، أ: "لهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّ الْمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لليهود إنّ المَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فتكرهونه ، وتأبون أن تتمنوه فإنّهُ مُلاقِيكُمْ ونازل بكم ثُمّ تَرُدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ ثم يردّكم ربكم من بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة ، عالم غيب السموات والأرض والشهادة : يعني وما شهد فظهر لرأي العين ، ولم يغب عن أبصار الناظرين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة : ثُمّ تُرَدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ فقال : إن الله أذلّ ابن آدم بالموت لا أعلمه إلا رفعه .

فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فيخبركم حينئذ ما كنتم في الدنيا تعملون من الأعمال ، سيئها وحسنها ، لأنه محيط بجميعها ، ثم يجازيكم على ذلك المحسن بإحسانه ، والمسيء بما هو أهله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

قل إن الموت الذي تفرون منه وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم فإنه ملاقيكم لاحق بكم لا تفوتونه والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف وكأن فرارهم يسرع لحوقه بهم وقد قرئ بغير فاء ويجوز أن يكون الموصول خبرا والفاء عاطفة ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون بأن يجازيكم عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمۡۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

ثم توعدهم تعالى بالموت الذي لا محيد لهم عنه ، ثم بما بعده من الرد إلى الله تعالى ، وقرأ ابن مسعود : «منه ملاقيكم » بإسقاط { فإنه } ، وقوله تعالى : { فينبئكم } أي إنباء معاقب مجاز عليه بالتعذيب ، وقرأ ابن أبي إسحاق «فتمنوا الموت » بكسر الواو وكذلك يحيى بن يعمر .