تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (16)

{ اصْلَوْهَا } أي : ادخلوا النار على وجه تحيط بكم ، وتستوعب جميع أبدانكم{[873]}  وتطلع على أفئدتكم .

{ فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ } أي : لا يفيدكم الصبر على النار شيئا ، ولا يتأسى بعضكم ببعض ، ولا يخفف عنكم العذاب ، وليست{[874]}  من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها .

وإنما فعل بهم ذلك ، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم ، [ ولهذا قال ] { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }


[873]:- في ب: (وتشمل أبدانكم).
[874]:- كذا في ب، وفي أ: وليس.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (16)

{ اصلوها } أى : ادخلوها ، وقاسوا حرها { فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } أى : ادخلوها داخرين فاصبروا على سعيرها أو لا تصبروا ، فهى مأواكم لا محالة .

{ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } الأمران ، الصبر وعدمه ، لأن كليهما لا فائدة لكم من روائه .

فقوله : { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } خبر لمبتدأ محذوف . أى : الأمران سواء بالنسبة لكم .

{ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ } فى هذا اليوم عاقبة ، { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى : فى الدنيا .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله : { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ؟

قلت : لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع ، لنفعة فى العاقبة بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير ، فأما الصبر على العذاب الذى هو الجزاء ، ولا عاقبة له ولا منفعة ، فلا مزية له على الجزع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (16)

وحين ينتهي هذا التأنيب الساخر المرير يعاجلهم بالتيئيس البئيس . ( اصلوها . فاصبروا أو لا تصبروا . سواء عليكم . إنما تجزون ما كنتم تعملون ) . .

وليس أقسى على منكوب بمثل هذه النكبة . من أن يعلم أن الصبر وعدم الصبر سواء . فالعذاب واقع ، ما له من دافع . وألمه واحد مع الصبر ومع الجزع . والبقاء فيه مقرر سواء صبر عليه أم هلع . . والعلة أنه جزاء على ما كان من عمل . فهو جزاء له سببه الواقع فلا تغيير فيه ولا تبديل !

وبذلك ينتهي هذا المشهد الرعيب ؛ كما ينتهي الشوط الأول بإيقاعه العنيف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (16)

وقوله : اصْلَوْها يقول : ذوقوا حرّ هذه النار التي كنتم بها تكذّبون ، وَرِدُوها فاصبروا على ألمها وشدتها ، أو لا تصبروا على ذلك ، سواء عليكم صبرتم أو لم تصبروا إنّمَا تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : ما تجزون إلا أعمالكم : أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا ربكم وكفركم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (16)

وجملة { اصلوها } مستأنفة هي بمنزلة النتيجة المترقبة من التوبيخ والتغليظ السابقين ، أي ادخلوها فاصطلوا بنارها يقال : صلي النار يصلاها ، إذا قاسى حرها .

والأمر في { اصلوها } إمّا مكنًّى به عن الدخول لأن الدخول لها يستلزم الاحتراق بنارها ، وإما مستعمل مجازاً في التنكيل . وفرع على { اصلوها } أمر للتسوية بين صبرهم على حرّها وبين عدم الصبر وهو الجزع لأن كليهما لا يخففان عنهم شيئاً من العذاب ، ألا ترى أنهم يقولون : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيض } [ إبراهيم : 21 ] لأن جُرمَهم عظيم لا مطمع في تخفيف جزائه .

و { سواء عليكم } خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : ذلك سواء عليكم .

وجملة { سواء عليكم } مؤكدة لجملة { فاصبروا أو لا تصبروا } فلذلك فصلت عنها ولم تعطف .

وجملة { إنما تجزون ما كنتم تعملون } تعليل لجملة { اصلوها } إذ كلمة { إنما } مركبة من ( إنّ ) و ( ما ) الكافة ، فكما يصح التعليل ب ( إنّ ) وحدها كذلك يصح التعليل بها مع ( ما ) الكافة ، وعليه فجملتا { فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم } معترضتان بين جملة { اصلوها } والجملة الواقعة تعليلاً لها .

والحصر المستفاد من كلمة { إنما } قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن ما لقوه من العذاب ظلم لم يستوجبوا مثل ذلك من شدة ما ظهر عليهم من الفزع .

وعدي { تجزون } إلى { ما كنتم تعملون } بدون الباء خلافاً لقوله بعده { كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } [ الطور : 19 ] ليشمل القصر مفعول الفعل المقصور ، أي تجزون مثل عملكم لا أكثر منه فينتفي الظلم عن مقدار الجزاء كما انتفى الظلم عن أصله ، ولهذه الخصوصية لم يعلق معمول الفعل بالباء إذ جعل الجزاء بمنزلة نفس الفعل .