{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { لِلَّهِ } تعالى ، لا لغيره ، { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } بحكمه العدل ، وقضائه الفصل ، { فَالَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسله ، وما جاءوا به { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } ليصدقوا بذلك إيمانهم { فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } نعيم القلب والروح والبدن ، مما لا يصفه الواصفون ، ولا تدركه العقول .
ثم بين - سبحانه - مظاهر قدرته ، وشمول قهره لغيره فقال : { الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ . . . } والتنوين فى قوله { يَوْمَئِذٍ } عوض عن جملة .
أى : السلطان القاهر ، والتصرف الكامل ، يوم تأتيهم الساعة بغتة ، أو يوم يأتيهم عذابها يكون لله - تعالى - وحده ، كما أن الحكم بين الناس جميعا يكون له وحده - سبحانه - { فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { الصالحات } يكونون فى هذا اليوم { فِي جَنَّاتِ النعيم }
القول في تأويل قوله تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآياتِنَا فَأُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ } .
يقول تعالى ذكره : السلطان والمُلك إذا جاءت الساعة لله وحده لا شريك له ولا ينازعه يومئذ منازع وقد كان في الدنيا ملوك يُدعون بهذا الاسم ولا أحد يومئذ يدعي ملكا سواه . يَحْكُمُ بَيْنهُمْ يقول : يفصل بين خلقه المشركين به والمؤمنين . فالّذين آمَنُوا بهذا القرآن ، وبمن أنزله ، ومن جاء به ، وعملوا بما فيه من حلاله وحرامه وحدوده وفرائضه في جَنّاتِ النعيم يومئذ . والّذِينَ كَفَرُوا بالله ورسوله ، وكَذّبُوا بآيَات كتابه وتنزيله ، وقالوا : ليس ذلك من عند الله ، إنما هو إفك افتراه محمد وأعانه عليه قوم آخرون فأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول : فالذين هذه صفتهم لهم عند الله يوم القيامة عذاب مهين ، يعني عذاب مذلّ في جهنم .
وقوله { الملك يومئذ لله } ، السابق منه{[8420]} أنه في يوم القيامة من حيث لا ملك فيه لأحد من ملوك الدنيا ، ويجوز أن يريد به يوم بدر ونحوه من حيث ينفذ فيه قضاء الله وحده ويبطل ما سواه ويمضي حكمه فيمن أراد تعذيبه ، فأما من تأوله في يوم القيامة فاتسق له قوله { فالذين آمنوا } إلى قوله { مهين } ، ومن تأوله في يوم بدر ونحوه جعل قوله { فالذين آمنوا } ، ابتداء خبر عن حالهم المتركبة على حالهم في ذلك اليوم العقيم من الإيمان والكفر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{الملك يومئذ لله} يعني: يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد، واليوم في الدنيا ينازعه غيره في ملكه. {يحكم بينهم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: السلطان والمُلك إذا جاءت الساعة لله وحده لا شريك له ولا ينازعه يومئذ منازع، وقد كان في الدنيا ملوك يُدعون بهذا الاسم ولا أحد يومئذ يدعي ملكا سواه.
"يَحْكُمُ بَيْنهُمْ" يقول: يفصل بين خلقه المشركين به والمؤمنين. "فالّذين آمَنُوا" بهذا القرآن، وبمن أنزله، ومن جاء به، وعملوا بما فيه من حلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، "في جَنّاتِ النعيم" يومئذ.
"والّذِينَ كَفَرُوا" بالله ورسوله، "وكَذّبُوا بآيَات" كتابه وتنزيله، وقالوا: ليس ذلك من عند الله، إنما هو إفك افتراه محمد وأعانه عليه قوم آخرون، "فأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" يقول: فالذين هذه صفتهم لهم عند الله يوم القيامة عذاب "مهين"، يعني عذاب مذلّ في جهنم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{الملك يومئذ لله يحكم بينهم} قال الحسن: الملك في الأحوال كلها لله في الدنيا و الآخرة، لكن تأويل قوله: {الملك يومئذ لله} أي: الحكم بينهم دون الخلائق، لأن في الدنيا من قد يحكم غيره، فأما يومئذ فالحكم له خاصة.
وعندنا تخصيص الملك يومئذ له بالذكر، وإن كان الملك في الأيام كلها لله، لأنهم جميعا يقرون له بالملك يومئذ، لا أحد ينازع، وفي الدنيا من قد ادعى الملك لنفسه...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لم يتخصصْ مُلْكه -سبحانه- بيومٍ، ولم تتحدد له وقتيةُ أَمْرٍ، ولا لجلاله قَدْرٌ، ولكنَّ الدعاوى في ذلك اليوم تنقطع، والظنون ترتفع، والتجويزات تتلاشى؛ فللمؤمنين وأهل الوفاق نِعَمٌ، وللكفار وأصحاب الشقاق نِقَم...
{الملك يومئذ لله} فمن أقوى ما يدل على أن اليوم العقيم هو ذلك اليوم وأراد بذلك أنه لا مالك في ذلك اليوم سواه فهو بخلاف أيام الدنيا التي ملك الله الأمور غيره، وبين أنه الحاكم بينهم لا حاكم سواه وذلك زجر عن معصيته ثم بين كيف يحكم بينهم، وأنه يصير المؤمنين إلى جنات النعيم، والكافرين في العذاب المهين...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، أي: آمنت قلوبهم، وصدقوا بالله ورسوله، وعملوا بمقتضى ما علموا، وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم. {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. أي: لهم النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول ولا يبيد...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانوا من الكثرة والقوة بمكان كان كأنه قيل: كيف يغلبون؟ فقال جواباً عن ذلك: {الملك يومئذ} أي يوم إذ يأتيهم ذلك إما في القيامة أو في الدنيا {لله} أي المحيط بجميع صفات الكمال وحده بتغليب اسمه الظاهر، بأن يجري أمره فيه على غير الأسباب التي تعرفونها. ولما كان كأنه قيل: ما معنى اختصاصه به وكل الأيام له؟ قيل: {يحكم بينهم} أي بين المؤمنين والكافرين بالأمر الفيصل، لا حكم فيه ظاهراً ولا باطناً لغيره، كما ترونه الآن، بل يمشي فيه الأمر على أتم قوانين العدل، ولذلك سبب ظهور العدل عنه قوله مفصلاً بادئاً. إظهاراً لتفرده بالحكم بإكرام من كانوا قاطعين بهوانهم في الدارين مع أن تقديمهم أوفق لمقصود السورة: {فالذين آمنوا وعملوا} أي وصدقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا {الصالحات} وهي ما أمرهم الله به. ولما كانت إثابته تعالى لأهل طاعته تفضلاً منه، نبه على ذلك بإعراء الخبر عن الفاء السببية بخلاف ما يأتي في حق الكفار فقال: {في جنات النعيم} في الدنيا مجازاً، لمآلهم إليهم مع ما يجدونه من لذة المناجاة واستشعار القرب وفي الآخرة حقيقة بما رحمهم الله به من توفيقهم للأعمال الصالحة...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{الملك} أي السُّلطانُ القاهرُ والاستيلاء التَّامُّ والتَّصرُّفُ على الإطلاقِ {يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وحدَه بلا شريكٍ أصلاً، بحيث لا يكونُ فيه لأحدٍ تصرُّفٌ من التَّصرُّفاتِ في أمرٍ من الأمورِ لا حقيقةً ولا مجازاً ولا صورةً ولا معنى كما في الدُّنيا فإنَّ للبعضِ فيها تصرُّفاً صُورياً في الجملة...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} نعيم القلب والروح والبدن، مما لا يصفه الواصفون، ولا تدركه العقول...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
آذنت الغاية التي في قوله: {حتى تأتيهم الساعة بغتة} أن ذلك وقت زوال مرية الذين كفروا، فكان ذلك منشأ سؤال سائل عن صورة زوال المرية: وعن ماذا يلقونه عند زوالها، فكان المقام أن يجاب السؤال بجملة {الملك يومئذ لله يحكم بينهم} إلى آخر ما فيها من التفصيل... {يومئذ}... يوم إذ تزول مريتهم بحلول الساعة وظهور أن ما وعدهم الله هو الحق، أو يوم إذ تأتيهم الساعة بغتة...
والحكم بينهم: الحكمُ فيما اختلفوا فيه من ادّعاء كل فريق أنه على الحق وأن ضده على الباطل، الدال عليه قوله: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك}... وقد فُصل الحكم بقوله: {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات} الخ، وهو تفصيل لأثر الحكم يدلّ على تفصيل أصله، أي ذلك حكم الله بينهم في ذلك اليوم. وأريد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات عمومه. وخص بالذكر منهم الذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا تنويهاً بشأن الهجرة، ولأجلها استوى أصحابها في درجات الآخرة سواء منهم من قتل في سبيل الله أو مات في غير قتال بعد أن هاجر من دار الكفر...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ولا حكم، ولو تحكيما، كحال الملوك المستبدين، ولا رقابة لأحد غير الله تعالى، كل الملك لله وحده فلا طاغوت ولا طغيان، ولا حكم لغير الله... والمعنى على ذلك يكون الملك المطلق يوم تقوم القيامة، وينصب الميزان، ويكون الحساب ومن بعد الثواب والعقاب، وذلك فيه إنذار شديد بأن المؤمنين ومخالفيهم يلاقون ربهم، ويواجهون أعمالهم، ويفصل بينهم سبحانه بالحق والقسطاس المستقيم. {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم}... والمعنى إذا كان تعالى هو الحكم وحده {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات}، من عبادات، وطاعات للأوامر والنواهي، وعمل صالح نافع للناس لا يقصدون به إلا وجه الله، {في جنات النعيم}...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين}، وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين: {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم}، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى: {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين}...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} في ما اختلفوا فيه، وفي ما قاموا به من أعمال، فهو الحاكم ولا حاكم غيره، لذا لا بد للناس من الاستعداد لذلك الموقف، في ما يحتجّون به لأنفسهم مما يخلّصهم من العذاب من خلال أعمالهم في الدنيا، لأن الحكم هو حكم العدل الذي لا يظلم أحداً مثقال ذرّة، فلكلٍّ نصيب من عمله، إن خيراً فخيرٌ وإن شرّاً فشر، {فَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاَتِ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ} هي مأواهم ومستقرهم لأنها هي الجزاء الأوفى للمؤمنين العاملين في خط الصلاح والإصلاح، في ما يأمرهم الله به أو ينهاهم عنه