تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

{ يَا أُخْتَ هَارُونَ ْ } الظاهر ، أنه أخ لها حقيقي ، فنسبوها إليه ، وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء وليس هو هارون بن عمران أخا موسى ، لأن بينهما قرونا كثيرة { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ْ } أي : لم يكن أبواك إلا صالحين سالمين من الشر ، وخصوصا هذا الشر ، الذي يشيرون إليه ، وقصدهم : فكيف كنت على غير وصفهما ؟ وأتيت بما لم يأتيا به ؟ . وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض ، في الصلاح وضده ، فتعجبوا - بحسب ما قام بقلوبهم - كيف وقع منها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

{ يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ }

أى : ما كان أبوك رجلاً زانياً أو معروفاً بالفحش { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } أى : تتعاطى الزنا . يقال : بغت المرأة ، إذا فجرت وابتعدت عن طريق الطهر والعفاف .

وليس المراد بهارون : هارون بن عمران أخا موسى ، وإنما المراد به رجل من قومها معروف بالصلاح والتقوى ، فشبهت به ، أى : يا أخت هارون فى الصلاح والتقوى .

أو المراد به أخ لها كان يسمى بهذا الاسم .

قال الآلوسى ما ملخصه : " وقوله : { ياأخت هَارُونَ } استئناف لتجديد التعيير ، وتأكيد التوبيخ ، وليس المراد بهارون أخا موسى بن عمران - عليهما السلام - لما أخرج أحمد ، ومسلم ، والترمذى ، والنسائى ، والطبرانى ، وابن حبان ، وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال : بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجران فقالوا : أرأيت ما تقرأون : { ياأخت هَارُونَ } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا . قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم " .

وعن قتادة قال : " هو رجل صالح فى بنى إسرائيل ، والأخت على هذا بمعنى المشابهة ، وشبهوها به تهكماً ، أو لما رأوا قبل من صلاحها . . " .

وعلى أية حال فإن مرادهم بقولهم هذا ، هو اتهام مريم بما هى بريئة منه ، والتعجب من حالها ، حيث انحدرت من أصول صالحة طاهرة ، ومع ذلك لم تنهج نهجهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

16

ثم يتحول السخط إلى تهكم مرير : ( يا أخت هارون )النبي الذي تولى الهيكل هو وذريته من بعده والذي تنتسبين إليه بعبادتك وانقطاعك لخدمة الهيكل . فيا للمفارقة بين تلك النسبة التي تنتسبينها وذلك الفعل الذي تقارفينه ! ( ما كان أبوك امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيا )حتى تأتي بهذه الفعلة التي لا يأتيها إلا بنات آباء السوء والأمهات البغايا !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمّكِ بَغِيّاً } .

اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لها : يا أخت هارون ، ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله ، وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته ، فقال بعضهم : قيل لها يا أُخْتَ هارُونَ نسبة منهم لها إلى الصلاح ، لأن أهل الصلاح فيهم كانوا يسمون هارون ، وليس بهارون أخي موسى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : يا أُخْتَ هارُونَ قال : كان رجلاً صالحا في بني إسرائيل يسمى هارون ، فشبّهوها به ، فقالوا : يا شبيهة هارون في الصلاح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ وَما كانَتِ أُمّكِ بَغِيّا قال : كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح ، ولا يُعرفون بالفساد ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به ، وكان هارون مصلحا محببا في عشيرته ، وليس بهارون أخي موسى ، ولكنه هارون آخر . قال : وذُكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفا ، كلهم يسمون هارون من بني إسرائيل .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي صدقة ، عن محمد بن سيرين ، قال : نبئت أن كعبا قال : إن قوله : يا أُخْتَ هارُونَ ليس بهارون أخي موسى ، قال : فقالت له عائشة : كذبت ، قال : يا أمّ المؤمنين ، إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة ، قال : فسكتت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يا أُخْتَ هارُونَ قال : اسم واطأ اسما ، كم بين هارون وبينهما من الأمم أمم كثيرة .

حدثنا أبو كريب وابن المثنى وسفيان وابن وكيع وأبو السائب ، قالوا : حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، قال : سمعت أبي يذكر عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران ، فقالوا لي : ألستم تقرأون يا أُخْتَ هارُونَ ؟ قلت : بلى وقد علمتم ما كان بين عيسى وموسى ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : «ألا أخْبَرْتَهُمْ أنّهُمْ كانُوا يُسَمّونَ بأنْبِيائهِمْ وَالصّالِحِينَ قَبْلَهُمْ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : أرسلني النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض حوائجه إلى أهل نجران ، فقالوا : أليس نبيك يزعم أن هارون أخو مريم هو أخو موسى ؟ فلم أدر ما أردّ عليهم حتى رجعت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، فقال : «إنّهُمْ كانُوا يُسَمّونَ بأسْماءِ مَنْ كانَ قَبْلَهُمْ » .

وقال بعضهم : عنى به هارون أخو موسى ، ونُسبت مريم إلى أنها أخته لأنها من ولده ، يقال للتميميّ : يا أخا تميم ، وللمُضَرِيّ : يا أخا مُضَر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ يا أُخْتَ هارُونَ قال : كانت من بني هارون أخي موسى ، وهو كما تقول : يا أخا بني فلان .

وقال آخرون : بل كان ذلك رجلاً منهم فاسقا معلن الفسق ، فنسبوها إليه .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه ، وأنها نسبت إلى رجل من قومها .

وقوله : ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ يقول : ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش وَما كانَتْ أُمُكِ بَغِيّا يقول : وما كانت أمك زانية ، كما :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا قال : زانية . وقال : وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا ولم يقل : بغيّة ، لأن ذلك مما يوصف به النساء دون الرجال ، فجري مجرى امرأة حائض وطالق ، وقد كان بعضهم يشبه ذلك بقولهم : ملحفة جديدة وامرأة قتيل .