تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

{ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ } ، بعد أن تمزقتم وكنتم ترابا وعظاما ، فنظروا نظرا قاصرا ، ورأوا هذا بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن ، فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم ، تعالى الله . فأنكروا قدرته على إحياء الموتى ، وعجزوه غاية التعجيز ، ونسوا خلقهم أول مرة ، وأن الذي أنشأهم من العدم ، فإعادته لهم بعد البلى أهون عليه ، وكلاهما هين لديه ، فلم لا ينكرون أول خلقهم ، ويكابرون المحسوسات ، ويقولون : إننا لم نزل موجودين ، حتى يسلم لهم إنكارهم للبعث ، وينتقلوا معهم إلى الاحتجاج على إثبات وجود الخالق العظيم ؟ .

وهنا دليل آخر ، وهو : أن الذي أحيا الأرض بعد موتها ، إن ذلك لمحيي الموتى ، إنه على كل شيء قدير ، وثم دليل آخر ، وهو ما أجاب به المنكرين للبعث في قوله : { بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } فقال في جوابهم : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ } أي في البلى ، { وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

أما شبهتهم الثانية التى أثاروها لصرف الناس عن الحق . فقد حكاها القرآن فى قوله عنهم : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ . . . } . أى : أيعدكم هذا الذى يدعى النبوة - وهو بشر مثلكم - أنكم إذا فارقتم هذه الحياة وصرتم أمواتاً ، وصارت بعض أجزاء أجسامكم تراباً وبعضها عظاماً نخرة ، أنكم مخرجون من قبوركم إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء ؟

والاستفهام فى قوله { أَيَعِدُكُمْ } للإنكار والتحذير من اتباع هذا النبى ، والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها من الصد عن الاستماع إلى ما جاءهم به نبيهم ، لأنه - فى زعمهم - يؤدى إلى الخسران .

وكرر - سبحانه - لفظ { أَنَّكُمْ } لبيان حرصهم على تأكيد أقوالهم الباطلة فى نفوس الناس ، حتى يفروا من وجه نبيهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

23

ثم يزيد المترفون هنا إنكار البعث بعد الموت والبلى ؛ ويعجبون من هذا الرسول الذي ينبئهم بهذا الأمر الغريب .

أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ? هيهات هيهات لما توعدون : إن هي إلا حياتنا الدنيا ، نموت و نحيا ، وما نحن بمبعوثين . .

ومثل هؤلاء لا يمكن أن يدركوا حكمة الحياة الكبرى ؛ ودقة التدبير في أطوارها للوصول بها إلى غايتها البعيدة . هذه الغاية التي لا تتحقق بكمالها في هذه الأرض . فالخير لا يلقى جزاءه الكامل في الحياة الدنيا . والشر كذلك . إنما يستكملان هذا الجزء هنالك ، حيث يصل المؤمنون الصالحون إلى قمة الحياة المثلى ، التي لا خوف فيها ولا نصب ، ولا تحول فيها ولا زوال - إلا أن يشاء الله - ويصل المرتكسون المنتكسون إلى درك الحياة السفلية التي تهدر فيها آدميتهم ، ويرتدون فيها أحجارا ، أو كالأحجار !

مثل هؤلاء لا يدركون هذه المعاني ؛ ولا يستدلون من أطوار الحياة الأولى - التي سبقت في السورة - على أطوارها الأخيرة ؛ ولا ينتبهون إلى أن القوة المدبرة لتلك الأطوار لا تقف بالحياة عند مرحلة الموت والبلى كما يظنون . . لذلك هم يستعجبون ويعجبون من ذلك الذي يعدهم أنهم مخرجون ؛ ويستبعدون في جهالة أن ذلك يكون ؛ ويجزمون في تبجح بأن ليس هنالك إلا حياة واحدة وموت واحد . يموت جيل ويحيا بعده جيل . فأما الذين ماتوا ، وصاروا ترابا وعظاما ، فهيهات هيهات الحياة لهم ، كما يقول ذلك الرجل الغريب !

وهيهات هيهات البعث الذي يعدهم به ، وقد صاروا عظاما ورفاتا !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

قوله : أيَعِدُكُمْ أنّكُمْ إذَا مِتّمْ وكُنْتُمْ تُرَابا وَعِظاما . . . الاَية ، يقول تعالى ذكره : قالوا لهم : أيعدكم صالح أنكم إذا متم وكنتم ترابا في قبوركم وعظاما قد ذهبت لحوم أجسادكم وبقيت عظامها ، أنكم مخرجون من قبوركم أحياء كما كنتم قبل مماتكم ؟ وأعيدت «أنكم » مرّتين ، والمعنى : أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون مرّة واحدة ، لما فرق بين «أنكم » الأولى وبين خبرها ب«إذا » ، وكذلك تفعل العرب بكل اسم أوقعت عليه الظنّ وأخواته ، ثم اعترضت بالجزاء دون خبره ، فتكرّر اسمه مرّة وتحذفه أخرى ، فتقول : أظنّ أنك إن جالستنا أنك محسن ، فإن حذفت «أنك » الأولى الثانية صلح ، وإن أثبتهما صلح ، وإن لم تعترض بينهما بشيء لم يجز ، خطأ أن يقال : أظنّ أنك أنك جالس . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «أيَعِدُكُمْ إذَا مِتّمْ وكُنْتُمْ تُرَابا وَعِظاما أنّكُمْ مُخْرَجُونَ » .