تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } فاصبر كما صبروا ، تظفر كما ظفروا . { وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } ما به يثبت فؤادك ، ويطمئن به قلبك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

ثم زاد القرآن فى تعزية النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عن طريق إخباره بما حدث للأنبياء من قبله فإن عموم البلوى مما يخفف وقعها فقال : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } .

أى : أن الرسل من قبلك - يا محمد - قد كذبتهم أقوامه وأنزلت بهم الأدى ، فليس بدعا أن يصيبك من أعدائك ما أصاب الأنبياء من قبلك ، ولقد صبر أولئك الأنبياء الكرام على التطاول والسفه فكانت نتيجة صبرهم أن آتاهم الله النصر والظفر ، فعليك - وأنت خاتمهم وإمامهم - أن تصبر كما صبروا حتى تنال ما نالوا من النصر ، فإن سنة الله لا تتخلف فى أى زمان أو مكان .

وجاء قوله - تعالى - { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } مؤكدا بقد وباللام ، للإشارة إلى تأكيد التسلية والتعزية ، وإلى تأكيد التمسك بفضيلة الصبر التى سيعقبها النصر الذى وعد الله به الصابرين .

و { مَا } فى قوله { على مَا كُذِّبُواْ } مصدرية ، { وَأُوذُواْ } معطوف على قوله { كُذِّبَتْ } أى : كذبت الرسل وأوذوا فصبروا على كل ذلك .

وقوله { حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } غاية للصبر ، أى : صبروا على التكذيب وما قارنه من الإيذاء إلى أن جاءهم نصرنا وفيه بشارة للنبى صلى الله عليه وسلم مؤكداً للتسلية بأنه - سبحانه - سينصره على القوم الظالمين .

وقوله - تعالى - { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله } معناه : لا مغير لكلمات الله وآياته التى وعد فيها عباده الصالحين بالنصر على أعدائه ، ومن ذلك قوله - تعالى - { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون } وقوله - تعالى - { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } إلى غير ذلك من الآيات التى بشر فيها عباده المؤمنين بالفلاح وحسن العاقبة .

ويرى المحققون من العلماء أن المراد بكلمات الله : شرائعه ، وصفاته ، وأحكامه ، وسننه فى كونه ، ويدخل فيها دخولا أوليا ما وعد الله به أنبياءه وأولياءه من النصر والظفر . وهذا الرأى أرجح من سابقه لأنه أعم وأشمل .

وإضافة الكلمات إليه - سبحانه - للإشعار باستحالة تبديلها أو تغييرها لأنه - سبحانه - لا يغالبه أحد فى فعل من الأفعال ، ولا يقع منه خلف فى قول من الأقوال ، فما دام المؤمنون يخلصون له العبادة والقول والعمل ويجتهدون فى مباشرة الأسباب واتخاذ الوسائل النافعة ، فإنه - سبحانه - سيجعل العاقبة لهم .

وقوله - تعالى - { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين } تأكيد وتقرير لما قبله أى : ولقد جاءك من أخبار المرسلين وأنبائهم - مما قصه عليك فى كتابه - ما فيه العظات والعبر ، فلقد صبر المرسلون على الأذى فكافأهم الله - تعالى - على ذلك بالظفر على أعدائهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (34)

33

ويستطرد من تطييب خاطر الرسول [ ص ] وبيان الأسباب الحقيقية لموقف المكذبين منه ومن دعوته ، ومن آيات الله الناطقة بصدقه وصدق ما جاء به . . يستطرد من هذا إلى تذكيره بما وقع لإخوانه الرسل قبله - وقد جاءه من أخبارهم في هذا القرآن - ثم ما كان منهم من الصبر والمضي في الطريق ، حتى جاءهم نصر الله . ليقرر أن هذه هي سنة الدعوات التي لا تتبدل ، ولا يغير منها اقتراحات المقترحين ، كما أنها لا تستعجل مهما ينزل بالدعاة من الأذى والتكذيب والضيق :

( ولقد كذبت رسل من قبلك ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ، ولا مبدل لكلمات الله ، ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) . .

إن موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم ، ضارب في شعاب الزمن ، ماض في الطريق اللاحب ، ماض في الخط الواصب . . مستقيم الخطي ، ثابت الأقدام . يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل ، ويقاومه التابعون من الضالين والمتبوعون ، ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة ، وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء . . والموكب في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا ينكص ولا يحيد . . والعاقبة هي العاقبة ، مهما طال الزمن ومهما طال الطريق . . إن نصر الله دائما في نهاية الطريق :

( ولقد كذبت رسل من قبلك ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ، ولا مبدل لكلمات الله ، ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) . .

كلمات يقولها الله - سبحانه - لرسوله [ ص ] . . كلمات للذكرى ، وللتسرية وللمواساة ، والتأسية . . وهي ترسم للدعاة إلى الله من بعد رسول الله [ ص ] طريقهم واضحا ، ودورهم محددا ، كما ترسم لهم متاعب الطريق وعقباته ، ثم ما ينتظرهم بعد ذلك كله في نهاية الطريق . . .

إنها تعلمهم أن سنة الله في الدعوات واحدة . كما انها كذلك وحدة . وحدة لا تتجزأ . . دعوة تتلقاها الكثرة بالتكذيب ، وتتلقى أصحابها بالأذى . . وصبر من الدعاة على التكذيب وصبر كذلك على الأذى . . وسنة تجري بالنصر في النهاية . . ولكنها تجيء في موعدها . لا يعجلها عن هذا الموعد أن الدعاة الأبرياء الطيبين المخلصين يتلقون الأذى والتكذيب ، ولا أن المجرمين الضالين والمضلين يقدرون على أذى المخلصين الأبرياء الطيبين ! ولا يعجلها كذلك عن موعدها أن صاحب الدعوة المخلص المتجرد من ذاته ومن شهواته إنما يرغب في هداية قومه حبا في هدايتهم ، ويأسى على ما هم فيه من ضلال وشقوة ، وعلى ما ينتظرهم من دمار وعذاب في الدنيا والأخرة . . لا يعجلها عن موعدها شيء من ذلك كله . فإن الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه . ولا مبدل لكلماته . سواء تعلقت هذه الكلمات بالنصر المحتوم ، أم تعلقت بالأجل المرسوم .

إنه الجد الصارم ، والحسم الجازم ، إلى جانب التطمين والتسرية والمواساة والتسلية . .

/خ39