تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم ، قال الله تعالى لرسوله : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ْ } لتنذر به ، ويكون آية على رسالتك ، وموعظة وذكرى للمؤمنين .

{ مِنْهَا قَائِمٌ ْ } لم يتلف ، بل بقي من آثار ديارهم ، ما يدل عليهم ، { وَ ْ } منها { حَصِيدٌ ْ } قد تهدمت مساكنهم ، واضمحلت منازلهم ، فلم يبق لها أثر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

ثم ساقت السورة بعد ذلك حتى نهايتها آيات كريمة اشتملت على تعليقات وتعقيبات متنوعة ، وهذه التعليقات والتعقيبات قوية الصلة بما سبقها من آيات . .

وكان التعقيب الأول يهدف إلى بيان أن هذه القرى المهلكة التى منها ما هو قائم ومنها ما هو حصيد ، ما ظلم الله - تعالى - أهلها ، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بعصيانهم الرسل ، وإصرارهم على الكفر والعناد ، قال - تعالى - :

{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ القرى نَقُصُّهُ . . . } .

أى : ذلك الذى قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - فى هذه السورة الكريمة ، وهو جزء { مِنْ أَنْبَآءِ القرى } المهلكة .

ونحن نقصه عليك ، فى هذا القرآن عن طريق وحينا الصادق ، ليعتبر به الناس ، وليعلموا أن هذا القرآن المشتمل على هذا القصص الذى لا علم لهم به من عند الله .

وافتتح - سبحانه - الكلام باسم الإِشارة المفيد للبعد ، للتنويه بشأن هذه الأنباء التى سبق الحديث عنها ، وللإِشعار بأنها أنباء هامة فيها الكثير من العظات والعبر لقوم يعقلون .

والضمير فى قوله : منها قائم وحصيد ، يعود إلى تلك القرى المهلكة ، والجملة مستأنفة للتحريض على النظر والاعتبار ، فكأن سائلا سأل ما حال هذه القرى الباقية آثارها أم عفى عليها الزمن ؟ فكان الجواب : منها قائم وحصيد .

أى : من هذه القرى المهلكة ما آثارها قائمة يراها الناظر إليها ، كآثار قوم ثمود .

ومنها ما أثارها عفت وزالت وانطمست وصارت كالزرع المحصود الذى استؤصل بقطعه ، فلم تبق منه باقية ، كديار قوم نوح .

ففى هذه الجملة الكريمة تشبيه بليغ ، حيث شبه - سبحانه - القرى التى بعض آثاهار مازال باقيا بالزرع القائم على ساقه ، وشبه مازال منها واندثر بالزرع المحصود .

وحصيد مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه ، أى منها قائم ومنها حصيد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَىَ نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هذا القصص الذي ذكرناه لك في هذه السورة ، والنبأ الذي أنبأناكه فيها من أخبار القرى التي أهلكنا أهلها بكفرهم بالله ، وتكذيبهم رسله ، { نقصه عليك } ، فنخبرك به . { مِنْها قائمٌ } ، يقول : منها بنيانه بائد بأهله هالك ، ومنها قائم بنيانه عامر ، ومنها { حصيد } ، بنيانه خراب متداع ، قد تعفى أثره دارس ، من قولهم : زرع حصيد : إذا كان قد استؤصل قطعه ، وإنما هو محصود ، ولكنه صرف إلى فعيل ، كما قد بيّنا في نظائره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ذلكَ مِنْ أنْباءِ القُرَى نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائمٌ وحَصِيد } ، يعني بالقائم : قرى عامرة . والحصيد : قرى خامدة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { قَائمٌ وحَصِيدٌ } ، قال : قائم على عروشها ، وحصيد : مستأصلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { مِنْها قائمٌ } : يُرى مكانه ، { وَحَصِيدٌ } : لا يرى له أثر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { مِنْها قائمٌ } ، قال : خاو على عروشه ، { وَحَصِيدٌ } : ملزق بالأرض .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن سفيان ، عن الأعمش : { مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ } ، قال : خرّ بنيانه .

حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش : { مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ } ، قال : الحصيد : ما قد خرّ بنيانه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ } ، منها قائم يُرى أثره ، وحصيد باد لا يُرى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

استئناف للتنويه بشأن الأنباء التي مَرّ ذكرُها .

واسم الإشارة إلى المذكور كلّه من القصص من قصة نوح عليه السلام وما بعدها .

والأنباء : جمع نبأ ، وهو الخبر ، وتقدّم في سورة الأنعام ( 34 ) في قوله : { ولقد جاءك من نبأى المرسلين } . وجملة { نقصّه عليك } حال من اسم الإشارة . وعبّر بالمضارع مع أن القصص مضى لاستحضار حالة هذا القصص البليغ .

وجملة { منها قائم وحصيد } معترضة . حال من { القرى } .

و { قائم } صفة لموصوف محذوف دلّ عليه عطف { وحصيد } ، والمعنى : منها زَرع قائم وزرع حصيد ، وهذا تشبيه بليغ .

والقائم : الرزع المستقل على سُوقه . والحصيد : الزرع المحصود ، فعيل بمعنى مفعول . وكلاهما مشبّه به للباقي من القرى والعافي . والمرادُ بالقائم ما كان من القرى التي قصّها الله في القرآن قُرى قائماً بعضها كآثار بلد فرعون كالأهرام وبلهوبة ( وهو المعروف بأبي الهول ) وهيكل الكرنك بمصر ، ومثل آثار نينوى بلد قوم يونس ، وأنطاكية قرية المرسلين الثلاثة ، وصنعاء بلد قوم تُبّع ، وقرى بائدة مثل ديار عاد ، وقرى قوم لوط ، وقرية مدين . وليس المراد القرى المذكورة في هذه السورة خاصة . والمقصود من هذه الجملة الأعتبار .