تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

{ 17 - 26 } { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }

يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولغيرهم من الناس ، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده : { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي : [ ألا ] ينظرون إلى خلقها البديع ، وكيف سخرها الله للعباد ، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

ثم ساق - سبحانه - أنواعا من الأدلة المشاهدة ، التى لا يستطيع أحد إنكارها ، ليلفت أنظار الناس إلى مظاهر قدرته ووحدانيته . فقال - تعالى - : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ . وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ } .

والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والتحريض على التأمل والتفكر ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والمراد بالنظر : التدبر فى تلك المخلوقات ، فإن من شأن هذا التدبر ، أنه يؤدى إلى الاعتبار والانتفاع . . والخطاب لأولئك الكافرين الجاهلين ، الذين أمامهم الشواهد الواضحة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، ومع ذلك لم ينتبهوا لها .

والمعنى : أيستمر هؤلاء الكافرون فى جهلهم وضلالهم ، وفى إنكارهم لأمر البعث والحساب والجزاء . . فلا ينظرون نظر اعتبار وتأمل ، إلى الإِبل - وهى أمام أعينهم - كيف خلقها الله ما - تعالى - بهذه الصورة العجيبة ، وأوجد فيها من الأعضاء المتناسقة ، ومن التكوين الخِلْقِى ، ما يجعلها تؤدى وظيفتها النافعة لبنى آدم ، على أكمل وجه ، فمن لبنها يشربون ، ومن لحمها يأكلون وعلى ظهرها يسافرون ، وأثقالهم عليها يحملون .

وخص - سبحانه - الإِبل بالذكر من بين سائر الحيوانات ، لأنها أعز الأموال عند العرب ، وأقربها إلى مألوفهم وحاجتهم ، وأبدعها خلقا وهيئة وتكوينا .

قال صاحب الكشاف : قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل } نظر اعتبار { كَيْفَ خُلِقَتْ } خلقا عجيبا ، دالا على تقدير مقدر ، شاهدا بتدبير مدبر ، حيث خلقها للنهوض بالأثقال ، وجرها إلى البلاد الشاحطة ، أى البعيدة ، فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ، ثم تنهض بما حملت ، وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها ، لا تعارض ضعيفا ، ولا تمانع صغيرا .

فإن قلت : كيف حسن ذكر الإِبل ، مع السماء والجبال والأرض ، ولا مناسبة ؟ . .

قلت : قد انتظم هذه الأشياء ، نظر العرب فى أوديتهم وبواديهم ، فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَىَ الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } .

يقول تعالى ذكره لمُنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة ، من العقاب والنكال الذي أعدّه لأهل عداوته ، والنعيم والكرامة التي أعدّها لأهل ولايته : أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قُدرة الله على هذه الأمور ، إلى الإبل كيف خلَقها ، وسخرها لهم وذَلّلها ، وجعلها تحمل حملها باركة ، ثم تنهض به ، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار ، يقول جلّ ثناؤه : أفلا ينظرون إلى الإبل ، فيعتبرون بها ، ويعلمون أن القُدرة التي قدَر بها على خلقها ، لن يُعجزه خلق ما شابهها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما نعت الله ما في الجنة ، عَجّب من ذلك أهل الضلالة ، فأنزل الله : أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ فكانت الإبل من عيش العرب ومن خوَلهم .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شُعبة ، عن أبي إسحاق ، عمن سمع شريحا يقول : اخرجوا بنا ننظر إلى الإبل كيف خُلقت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

ثم أقام تعالى الحجة على منكري قدرته على بعث الأجساد بأن وقفهم على موضع العبرة في مخلوقاته ، و { الإبل } في هذه الآية هي الجمال المعروفة ، هذا قول جمهور المتأولين ، وفي الجمل آيات وعبر لمن تأمل ليس في الحيوان ما يقوم من البروك بحمله سواه وهو على قوته غاية في الانقياد . قال الثعلبي في بعض التفاسير : إن فأرة جرت بزمام ناقة فتبعتها حتى دخلت الحجر فبركت الناقة وأذنت رأسها من فم الحجر ، وكان سريح القاضي يقول لأصحابة : اخرجوا بنا إلى الكناسة{[11778]} حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت ، وقال أبو العباس المبرد { الإبل } هنا السحاب ، لأن العرب قد تسميها بذلك إذ تأتيها أرسالاً كالإبل وتزجى كما تزجى{[11779]} الإبل في هيئتها أحياناً تشبه الإبل والنعام ، ومنه قول الشاعر : المتقارب ]

كأن السحاب دوين السما . . . نعام تعلق بالأرجلِ{[11780]}

وقرأ أبو عمر بخلاف وعيسى «الإبلّ » بشد اللام{[11781]} وهي السحاب فيما ذكر قوم من اللغويين والنقاش وقرأ الجمهور «خُلقَت » بفتح القاف وضم الخاء ، وقرأ علي بن أبي طالب «خَلقْت » بفتح الخاء وسكون القاف على فعل التكلم ، وكذلك رفعت ونصبت «وسطحت » وقرأ أبو حيوة «رفّعت » و «نصّبت » و «سطّحت » بالتشديد فيها .


[11778]:الكناسة: سوق الكوفة، وكانت الإبل تأتي إليها بالبضائع أو تصدر عنها، وهي مثل المربد سوق البصرة. وتنطق بضم الكاف.
[11779]:زجى الشيء وأزجاه: ساقه ودفعه، والريح تزجي السحاب، أي تسوقه سوقا رفيقا، وفي الكتاب العزيز: (ألم تر أن الله يزجي سحابا).
[11780]:البيت في البحر المحيط غير منسوب أيضا ، و "دون" نقيض "فوق" ويقال: هذا دون ذلك، أي أقرب منه، وقد صغرها الشاعر هنا ليشير إلى أن المسافة بين السحاب والسماء قليلة، وهذا يعني أن السحاب كثير الارتفاع، والبيت يدل على أن السحاب قد شبه بالإبل، ولكنه قطعا لا يعطي دلالة لغوية على أن الإبل هي السحاب كما يقول أصحاب هذا الكلام.
[11781]:الإبل: لا واحد لها من لفظها، وهي مؤنثة مثل أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها، ويقال: "إبل" بسكون الباء، والجمع : آبال.