تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

{ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } أي : قام بجميع ما ابتلاه الله به ، وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه ، وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

ثم وبخه - سبحانه - على جهالته وعدم فهمه فقال : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى . . } .

وصحف إبراهيم : هى الصحف التى أوحى الله - تعالى - إليه بما فيها ، وقد ذكر سبحانه ذلك فى قوله تعالى : { إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى } وخصت صحف هذين النبيين الكريمين بالذكر ، لأنها كانت أشهر من غيرها عند العرب ، وكانوا يسألون أهل الكتاب من اليهود عما خفى عليهم من صحف موسى .

وقدم - سبحانه - هنا صحف موسى ، لاشتهارها بسعة الأحكام التى اشتملت عليها ، بالنسبة لما وصل إليهم من صحف إبراهيم .

وأما فى سورة الأعلى فقدمت صحف إبراهيم على صحف موسى لوقوعهما بدلا من الصحف الأولى ، وصحف إبراهيم أقدم من صحف موسى ، فكان الإتيان بهما على الترتيب الزمنى أنسب بالمقام .

وحذف - سبحانه - متعلق " وفَّى " ليتناول كل ما يجب الوفاء به ، كمحافظته على أداء حقوق الله - تعالى - ، واجتهاده فى تبليغ الرسالة التى كلفه - سبحانه - بتبليغها ، ووقوفه عند الأوامر التى أمره - تعالى - بها ، وعند النواهى التى نهاه عنها . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

وقوله : وَإبْرَاهِيمَ الذِي وَفّى يقول : وإبراهيم الذي وفى من أرسل إليه ما أرسل به .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذي وفى ، فقال بعضهم : وفاؤه بما عهد إليه ربه من تبليغ رسالاته ، وهو ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس وَإبْراهِيمَ الّذِي وَفّى قال : كانوا قبل إبراهيم يأخذون الوليّ بالوليّ ، حتى كان إبراهيم ، فبلغ ألاّ تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أُخْرَى لا يُؤاخذ أحد بذنب غيره .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن عكرِمة وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى قالوا : بلغ هذه الاَيات ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى قال : وفّى طاعة الله ، وبلّغّ رسالات ربه إلى خلقه .

وكان عكرِمة يقول : وفّى هؤلاء الاَيات العشر ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . . . حتى بلغ وأنّ عَلَيْهِ النّشأَةَ الأُخْرَى .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى وفّى طاعة الله ورسالاته إلى خلقه .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا أبو بكير ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى قال : بلّغ ما أُمر به .

حدثنا ابن حُمَيْد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى قال : بلّغ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى قال : وفّى : بلّغ رسالات ربه ، بلّغ ما أُرسل به ، كما يبلّغ الرجل ما أُرسل به .

وقال آخرون : بل وفّى بما رأى في المنام من ذبح ابنه ، وقالوا قوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى من المؤخر الذي معناه التقديم وقالوا : معنى الكلام : أم لم ينبأ بما في صحف موسى ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وبما في صحف إبراهيم الذي وفّى . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : أمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى يقول : إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا ، والذي في صحف موسى ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . . . إلى آخر الاَية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي صخر ، عن القُرَظيّ ، وسُئل عن هذه الاَية وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى قال : وفّى بذبح ابنه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنه وفى ربه جميع شرائع الإسلام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبد الله بن أحمد بن شَبّوية ، قال : حدثنا عليّ بن الحسن ، قال : حدثنا خارجة بن مُصْعبٍ ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : الإسلام ثلاثون سهما . وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلاّ إبراهيم ، قال الله وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى فكتب الله له براءة من النار .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى ما فُرِض عليه .

وقال آخرون : وفّى بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا رشدين بن سعد ، قال : ثني زيان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أنس ، عن أبيه ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «ألا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمّى اللّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الّذِي وفّى ؟ لأنّهُ كانَ يَقُولُ كُلّما أصْبَحَ وأمْسَى : فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ حتى ختم الاَية .

وقال آخرون : بل وفّى ربه عمل يومه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الحسن بن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى » قال : «أتَدْرُونَ ما وَفّى » ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : «وَفّى عَمَلَ يَوْمِهِ أرْبَعَ رَكَعاتٍ فِي النّهارِ » .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : وفّى جميع شرائع الإسلام وجميع ما أُمر به من الطاعة ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عنه أنه وفّى فعمّ بالخبر عن توفيته جميع الطاعة ، ولم يخصص بعضا دون بعض .

فإن قال قائل : فإنه خصّ ذلك بقوله وفّى ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى فإن ذلك مما أخبر الله جلّ ثناؤه أنه في صحف موسى وإبراهيم ، لا مما خصّ به الخبر عن أنه وفّى . وأما التوفية فإنها على العموم ، ولو صحّ الخبران اللذان ذكرناهما أو أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم نَعْدُ القول به إلى غيره ولكن في إسنادهما نظر يجب التثبت فيهما من أجله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

{ وإبراهيم الذي وفى } وفى وأتم ما التزمه وأمر به ، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله ، وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة ، فقال أما إليك فلا ، وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم ، وتقديم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

واختلف المفسرون في معنى قوله : { وفى } ما هو الموفى ؟ فقال ابن عباس : كانوا قبل إبراهيم يأخذون الولي بالولي في القتل ونحوه فوفى إبراهيم وبلغ هذا الحكم من أنه { لا تزر وازرة وزر أخرى } .