تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

ويعرفون نعمة الله ، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها ، { وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } ، لا خير فيهم ، وما ينفعهم توالي الآيات ؛ لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم ، وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد كفور للنعم متمرد على الله وعلى رسله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

وقوله - سبحانه - : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون } ، استئناف مسوق لبيان الموقف الجحودي الذي وقفه المشركون من نعم الله - تعالى - .

والمراد بالكفر في قوله - تعالى - : { وأكثرهم الكافرون } ، الستر لنعم الله عن معرفة لها ، وغمطها عن تعمد وإصرار .

أي : إن هؤلاء المشركين ، يعرفون نعم الله التي عددها فى هذه السورة ، كما أنهم يعترفون بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله ، ولكنهم ينكرون هذه النعم بأفعالهم القبيحة ، وأقوالهم الباطلة ، كقولهم هذه النعم من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا الأصنام ، أو كقولهم : هذه النعم ورثناها عن آبائنا .

وجاء التعبير ب " ثم " لاستبعاد الإِنكار بعد المعرفة بالنعم ، فإن من شأن العالم بالنعمة أن يؤدي الشكر لمسديها ، وأن يستعملها فيما خلقت له .

وقوله : { وأكثرهم الكافرون } ، أي : وأكثر هؤلاء الضالين . جاحدون لنعم الله عن علم بها لا عن جهل ، وعن تذكر لا عن نسيان .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً . . } ، قال صاحب فتح البيان : وعبر هنا بالأكثر في قوله - تعالى - : { وأكثرهم الكافرون } ، والمراد : الكل ؛ لأنه قد يذكر الأكثر ويراد به الجميع ، أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم ، أو أراد كفر الجحود ، ولم يكن كفر كلهم كذلك ، بل كان كفر أقلهم عن جهل ، وكفر أكثرهم بسبب تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم عنادا أو حسدا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

وأما قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنّى بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها ، فقال بعضهم : هو النبيّ صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله ، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم ، ولكنهم يُنكرون ذلك ، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها ، والسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار قريش ، ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا ، فروّحونا إياه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : فورّثونا إياها . وزاد في الحديث عن ابن جريج ، قال ابن جريج : قال عبد الله بن كثير : يعلمون أن الله خلقهم وأعطاهم ما أعطاهم ، فهو معرفتهم نعمته ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد .

وقال آخرون في ذلك ، ما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية ، عن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن ليث ، عن عون بن عبد الله بن عتبة : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : إنكارهم إياها ، أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا .

وقال آخرون : معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم : من رزقكم ؟ أقرّوا بأن الله هو الذي رزقهم ، ثم يُنكرون ذلك بقولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : عُني بالنعمة التي ذكرها الله في قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ } ، النعمة عليهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم داعيا إلى ما بعثه بدعائهم إليه . وذلك أن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما بعث به ، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده ، إذ لم يكن معنى يدلّ على انصرافه عما قبله وعما بعده فالذي قبل هذه الآية قوله : { فإنْ تَوَلّوْا فإنّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } وما بعده : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا } ، وهو رسولها . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية : يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يا محمد بك ، ثم ينكرونك ويجحدون نبوّتك . { وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ } يقول : وأكثر قومك الجاحدون نبوّتك ، لا المقرّون بها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

{ يعرفون نعمة الله } أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى . { ثم ينكرونها } بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا ، أو بسبب كذا أو بإعراضهم عن أداء حقوقها . وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة . { وأكثرهم الكافرون } الجاحدون عنادا ، وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر ، أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله : { بل أكثرهم لا يعلمون } .