فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُمۡ يَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (113)

{ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء } قاله رافع بن حرملة { وقالت النصارى ليست اليهود على شيء } بيان لتضليل كل فريق صاحبه بخصوصه أثر بيان تضليله كل من عداه على وجه العموم ، قيل نزلت في يهود المدينة ونصارى نجران تناظروا عند النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهم وقالوا هذا القول وفيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى ، ويتضمن ذلك إثباته يصح ويعتد به قال : وهذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء وإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده ، وهكذا قولهم أقل من لا شيء .

{ وهم يتلون الكتاب } أي التوراة والإنجيل ، وليس فيهما هذا الاختلاف فكان حق كل منهم أن يعترف بحقية دين صاحبه حسبما ينطق به كتابه ، فإن كتب الله تعالى متصادقة وقيل المراد جنس الكتاب وفي هذا أعظم توبيخ وأشد تقريع لأن الوقوع في الدعاوى الباطلة والتكلم بما ليس عليه برهان ، هو وإن كان قبيحا على الإطلاق لكنه من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشد قبحا وأفظع جرما وأعظم ذنبا .

{ كذلك } أي مثل ذلك الذي سمعت به بعينه لا قولا مغايرا له .

{ قال الذين لا يعلمون مثل قولهم } المراد بهم الكفار العرب الذين لا كتاب لهم قالوا مثل مقالة اليهود اقتداء بهم لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدونه أنه من أهل العلم ، وقيل المراد بهم طائفة من اليهود والنصارى وهم الذين لا علم عندهم ، وقال عطاء هم أمم كانت قبل اليهود والنصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب قالوا في أنبيائهم أنهم ليسوا على شيء .

{ فالله يحكم بينهم يوم القيامة } أي بين الحق والباطل .

{ فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين ، أخبر سبحانه بأن هو المتولي لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه فيعذب من يستحق التعذيب وينجي من يستحق النجاة .