الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ} (96)

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فسبح باسم ربك العظيم } قال : فصل لربك .

وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { فسبح باسم ربك العظيم } «قال : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزلت { سبح اسم ربك الأعلى } قال : اجعلوها في سجودكم » .

ختام السورة:

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «قالوا يا رسول الله كيف نقول في ركوعنا ؟ فأنزل الله الآية التي في آخر سورة الواقعة { فسبح باسم ربك العظيم } فأمرنا أن نقول : سبحان ربي العظيم وتراً . قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشافعي ، أنبأنا الحسين بن عبدالله بن يزيد ، أنبأنا محمد بن عبدالله بن سابور ، أنبأنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك ، أو عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إذا وقعت الواقعة } قال : الساعة ليس لوقعتها كاذبة يقول : من كذب بها في الدنيا فإنه لا يكذب بها في الآخرة إذا وقعت { خافضة رافعة } قال : القيامة خافضة ، يقول : خفضت فأسمعت الأذنين ، ورفعت فأسمعت الأقصى ، كان القريب والبعيد فيها سواء ، قال : وخفضت أقواماً قد كانوا في الدنيا مرتفعين ، ورفعت أقواماً حتى جعلتهم في أعلى عليين { إذا رجت الأرض رجّاً } قال : هي الزلزلة { وبست الجبال بسّاً } { فكانت هباء منبثّاً } قال : الحكم والسدي قال : على هذا الهرج هرج الدواب الذي يحرك الغبار { وكنتم أزواجاً ثلاثة } قال : العباد يوم القيامة على ثلاثة منازل { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة } هم : الجمهور جماعة أهل الجنة { وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة } هم أصحاب الشمال يقول : ما لهم وما أعد لهم { والسابقون السابقون } هم مثل النبيين والصديقين والشهداء بالأعمال من الأولين والآخرين { أولئك المقربون } قال : هم أقرب الناس من دار الرحمن من بطنان الجنة وبطنانها وسطها في جنات النعيم { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة } قال : الموضونة الموصولة بالذهب المكللة بالجوهر والياقوت { متكئين عليها متقابلين } قال ابن عباس : ما ينظر الرجل منهم في قفا صاحبه ، يقول : حلقاً حلقاً { يطوف عليهم ولدان مخلدون } قال : خلقهم الله في الجنة كما خلق الحور العين لا يموتون لا يشيبون ولا يهرمون { بأكواب وأباريق } والأكواب التي ليس لها آذان مثل الصواع والأباريق التي لها الخراطم والأعناق { وكأس من معين } قال : الكأس من الخمر بعينها ولا يكون كأس حتى يكون فيها الخمر ، فإذا لم يكن فيها خمر فإنما هو إناء والمعين يقول : من خمر جار { لا يصدعون عنها } عن الخمر { ولا ينزفون } لا تذهب بعقولهم { وفاكهة مما يتخيرون } يقول : مما يشتهون يقول : يجيئهم الطير حتى يقع فيبسط جناحه فيأكلون منه ما اشتهوا نضجاً لم تنضجه النار ، حتى إذا شبعوا منه طار فذهب كما كان { وحور عين } قال : الحور البيض ، والعين العظام الأعين حسان { كأمثال اللؤلؤ } قال : كبياض اللؤلؤ التي لم تمسه الأيدي ولا الدهر المكنون الذي في الأصداف ، ثم قال { جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغواً } قال : اللغو الحلف لا والله ، وبلى والله { ولا تأثيماً } قال : قال لا يموتون { إلا قيلاً سلاماً سلاماً } يقول : التسليم منهم وعليهم ، بعضهم على بعض قال : هؤلاء المقربون ، ثم قال { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين } وما أعد لهم { في سدر مخضود } والمخضود الموقر الذي لا شوك فيه { وطلح منضود وظل ممدود } يقول : ظل الجنة لا ينقطع ممدود عليهم أبداً { وماء مسكوب } يقول : مصبوب { وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة } قال : لا تنقطع حيناً وتجيء حيناً مثل فاكهة الدنيا ، ولا ممنوعة كما تمنع في الدنيا إلا بثمن { وفرش مرفوعة } يقول : بعضها فوق بعض ثم قال { إنا أنشأناهن إنشاء } قال : هؤلاء نساء أهل الجنة وهؤلاء العجز الرمص يقول : خلقهم خلقاً { فجعلناهن أبكاراً } يقول : عذارى { عرباً أتراباً } والعرب المتحببات إلى أزواجهن ، والأتراب المصطحبات اللاتي لا تغرن { لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } يقول : طائفة من الأولين وطائفة من الآخرين { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال } ما لهم وما أعد لهم { في سموم } قال : فيح نار جهنم { وحميم } الماء الجار الذي قد انتهى حره ، فليس فوقه حر { وظل من يحموم } قال : من دخان جهنم { لا بارد ولا كريم } إنهم كانوا قبل ذلك مترفين قال : مشركين جبارين { وكانوا يصرون } يقيمون { على الحنث العظيم } قال : على الإِثم العظيم ، قال : هو الشرك { وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً } إلى قوله { أو آباؤنا الأوّلون } قال : قل يا محمد إن الأولين والآخرين لمجموعون { إلى ميقات يوم معلوم } قال : يوم القيامة { ثم إنكم أيها الضالون } قال : المشركون المكذبون { لآكلون من شجر من زقوم } قال : والزقوم إذا أكلوا منه خصبوا والزقوم شجرة { فمالئون منها البطون } قال : يملؤون من الزقوم بطونهم { فشاربون عليه من الحميم } يقول : على الزقوم الحميم { فشاربون شرب الهيم } هي الرمال لو مطرت عليها السماء أبداً لم ير فيها مستنقع { هذا نزلهم يوم الدين } كرامة يوم الحساب { نحن خلقناكم فلولا تصدقون } يقول : أفلا تصدقون { أفرأيتم ما تمنون } يقول : هذا ماء الرجل { أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } { نحن قدرنا بينكم الموت } في المتعجل والمتأخر { وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم } فيقول : نذهب بكم ونجيء بغيركم { وننشئكم فيما لا تعلمون } يقول : نخلقكم فيها لا تعلمون ، إن نشأ خلقناكم قردة وإن نشأ خلقناكم خنازير { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون } يقول : فهلا تذكرون ، ثم قال { أفرأيتم ما تحرثون } يقول : ما تزرعون { أم نحن الزارعون } يقول : أليس نحن الذي ننبته أم أنتم المنبتون { لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون } يقول : تندمون { إنا لمغرمون } يقول : إنا لمواريه { بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن } يقول : من السحاب { أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجاً } يقول : مرّاً { فلولا تشكرون } يقول : فهلا تشكرون { أفرأيتم النار التي تورون } يقول : تقدحون { أأنتم أنشأتم } يقول : خلقتم { شجرتها أم نحن المنشئون } قال : وهي من كل شجرة إلا في العناب وتكون في الحجارة { نحن جعلناها تذكرة } يقول : يتذكر بها نار الآخرة العليا { ومتاعاً للمقوين } قال : والمقوي هو الذي لا يجد ناراً فيخرج زنده فيستنور ناره فهي متاع له { فسبح باسم ربك العظيم } يقول : فصل لربك العظيم { فلا أقسم بمواقع النجوم } قال : أتى ابن عباس علبة بن الأسود ، أو نافع بن الحكم فقال له : يا ابن عباس إني أقرأ آيات من كتاب الله أخشى أن يكون قد دخلني منها شيء .

قال ابن عباس : ولم ذلك ؟ قال : لأني أسمع الله يقول : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [ القدر : 2 ] ويقول : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين } [ الدخان : 3 ] ويقول في آية أخرى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [ البقرة : 185 ] وقد نزل في الشهور كلها شوال وغيره . قال ابن عباس : ويلك إن جملة القرآن أنزل من السماء في ليلة القدر إلى { بمواقع النجوم } يقول : إلى سماء الدنيا فنزل به جبريل في ليلة منه وهي ليلة القدر المباركة ، وفي رمضان ، ثم نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة الآية والآيتين والأكثر ، فذلك قوله : { لا أقسم } يقول : أقسم { بمواقع النجوم } { وإنه لقسم } والقسم قسم وقوله { لا يمسه إلا المطهرون } وهم السفرة والسفرة هم الكتبة ، ثم قال { تنزيل من رب العالمين } { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } يقول : تولون أهل الشرك وتجعلون رزقكم قال ابن عباس رضي الله عنهما : سافر النبي صلى الله عليه وسلم في حر ، فعطش الناس عطشاً شديداً حتى كادت أعناقهم أن تنقطع من العطش ، فذكر ذلك له قالوا : يا رسول الله لو دعوت الله فسقانا ، قال لعلّي إن دعوت الله فسقاكم لقلتم هذا بنوء كذا وكذا قالوا : يا رسول الله ما هذا بحين أنواء ، ذهبت حين الأنواء ، فدعا بماء في مطهرة فتوضأ ثم ركع ركعتين ، ثم دعا الله فهبت رياح وهاج سحاب ، ثم أرسلت فمطروا حتى سال الوادي ، فشربوا وسقوا دوابهم ، ثم مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل وهو يغترف بقعب معه من الوادي وهو يقول : نوء كذا وكذا سقطت الغداة ، قال : نزلت هذه الآية { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون فلولا إذا بلغت الحلقوم } يقول : النفس { وأنتم حينئذ تنظرون } { ونحن أقرب إليه منكم } يقول : الملائكة { ولكن لا تبصرون } يقول : لا تبصرون الملائكة { فلولا } يقول : هلا { إن كنتم غير مدينين } غير محاسبين { ترجعونها } يقول : إن ترجعوا النفس { إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين } مثل النبيين والصديقين والشهداء بالأعمال { فروح } الفرح مثل قوله : { ولا تيأسوا من روح الله } [ يوسف : 87 ] { وريحان } الرزق قال ابن عباس : لا تخرج روح المؤمن من بدنه حتى يأكل من ثمار الجنة قبل موته { وجنة نعيم } يقول : حققت له الجنة والآخرة { وأما إن كان من أصحاب اليمين } يقول : جمهور أهل الجنة { فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين } وهم المشركون { فنزل من حميم } قال : ابن عباس رضي الله عنهما لا يخرج الكافر من بيته في الدنيا حتى يسقى كأساً من حميم { وتصلية جحيم } يقول : في الآخرة { إن هذا لهو حق اليقين } يقول : هذا القول الذي قصصنا عليك لهو حق اليقين يقول القرآن الصادق ، والله أعلم .