الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ} (96)

وقوله تعالى : { فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم } عبارة تقتضي الأمر بالإِعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها ، وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة اللَّه تعالى ، والدعاء إليه .

( ت ) : وعن جابر بن عبد اللَّه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنَّةِ " رواه الترمذي ، والنسائيُّ ، والحاكم ، وابن حبان في «صحيحيهما » ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وعند النسائِيِّ : «شَجَرَةَ » بدل «نَخْلَةَ » ، وعنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ التَسْبِيحَ ، وَالتَّهْلِيلَ ، وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا ، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ " ، ورواه أيضاً ابن المبارك في «رقائقه » عن كعب ، وفيه أيضاً عن كعب أَنَّهُ قال : «إنَّ لِلْكَلاَمِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ » انتهى . وعن أبي هريرةَ " أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْساً فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ ؟ قُلْتُ : غِرَاساً ، قَالَ : أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هذا ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ؛ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ " .

روى هذين الحديثين ابن ماجه واللفظ له ، والحاكم في «المستدرك » ، وقال في الأول : صحيح على شرط مسلم ، انتهى من «السلاح » ، ورَوَى عُقْبَةُ بن عامر قال : " لَمَّا نزلتْ : { فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم } قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : اجْعَلُوهَا في رُكُوعِكُمْ ؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ : { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى } قَالَ : اجْعَلُوهَا في سُجُودِكُمْ " ، فيحتمل أنْ يكونَ المعنى : سبح اللَّه بذكر أسمائه العلا ، والاسم هنا بمعنى : الجنس ، أي : بأسماء ربك ، والعظيم : صفة للرب سبحانه ، وقد يحتمل أَنْ يكون الاسم هنا واحداً مقصوداً ، ويكون «العظيم » صفة له ، فكأَنَّه أمره أَنْ يسبِّحَهُ باسمه الأعظم ، وإنْ كان لم يَنُصَّ عليه ، ويؤيِّدُ هذا ويشير إليه اتصالُ سورة الحديد وأوَّلُها فيها التسبيح ، وجملة من أسماء اللَّه تعالى ، وقد قال ابن عباس : اسم اللَّه الأعظم موجود في سَتِّ آيات من أَوَّلِ سورة الحديد ، فتأمَّل هذا ، فإنَّهُ من دقيق النظر ، وللَّه تعالى في كتابه العزيز غوامضُ لا تكاد الأذهانِ تدركها .