الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ} (82)

قوله تعالى : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } .

أخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أصبح من الناس شاكر ، ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا ، فنزلت هذه الآية { فلا أقسم بمواقع النجوم } حتى بلغ { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } » .

وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : يعني الأنواء وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرًا وكانوا يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله تعالى { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر في حر شديد ، فنزل الناس على غير ماء فعطشوا ، فاستسقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : «فلعلّي لو فعلت فسقيتم قلتم هذا بنوء كذا وكذا ، قالوا : يا نبيّ الله ما هذا بحين أنواء ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ثم قام فصلى ، فدعا الله تعالى ، فهاجت ريح وثاب سحاب ، فمطروا ، حتى سال كل واد ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يغرف بقدحه ويقول : هذا نوء فلان ، فنزل { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حزرة رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار في غزوة تبوك ، ونزلوا بالحجر فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا من مائها شيئاً ثم ارتحل ثم نزل منزلاً آخر ، وليس معهم ماء ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يصلي ركعتين ، ثم دعا فأرسل سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها ، فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه يتهم بالنفاق : ويحك قد ترى ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأمطر الله علينا السماء فقال : إنما مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } .

وأخرج أحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن مردويه والضياء في المختارة عن عليّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : «شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا » .

وأخرج ابن جرير عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين ، ثم قال : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } يقول قائل : مطرنا بنجم كذا وكذا » .

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها قالت : مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة وضعها الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية { فلا أقسم بمواقع النجوم } حتى بلغ { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } » .

وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : يعني الأنواء ، وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافراً ، وكانوا يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } .

وأخرج ابن مردويه قال : «ما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله : { وتجعلون رزقكم } قال : شكركم » .

وأخرج ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ «وتجعلون شكركم » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال : قرأ عليّ رضي الله عنه الواقعات في الفجر ، فقال : { وتجعلون شكركم أنكم تكذبون } فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأها هكذا ؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كذلك ، كانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله «وتجعلون شكركم أنكم إذ مطرتم تكذبون » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي عبد الرحمن رضي الله عنه قال : كان عليّ رضي الله عنه يقرأ { وتجعلون شكركم أنكم تكذبون } .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } فقال : أما الحسن فقال : بئس ما أخذ القوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب ، قال : وذكر لنا أن الناس أمحلوا على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا يا نبي الله : لو استسقيت لنا ؟ فقال : عسى قوم إن سقوا أن يقولوا سقينا بنوء كذا وكذا ، فاستسقى نبي الله ، فمطروا ، فقال رجل : إنه قد كان بقي من الأنواء كذا وكذا ، فأنزل الله { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : قولهم في الأنواء مطرنا بنوء كذا وكذا ، فيقول : قولوا : هو من عند الله تعالى وهو رزقه .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : الاستسقاء بالأنواء .

وأخرج عبد بن حميد عن عوف عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : تجعلون حظكم منه أنكم تكذبون ، قال عوف رضي الله عنه : وبلغني أن مشركي العرب كانوا إذا مطروا في الجاهلية قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارمي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو أمسك الله المطر عن الناس ثم أرسله لأصبحت طائفة كافرين ، قالوا : هذا بنوء الذبح يعني الدبران » .

وأخرج مالك وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح زمن الحديبية في أثر سماء ، فلما أقبل علينا فقال : «ألم تسمعوا ما قال ربكم في هذه الآية : ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين . فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي ، وكفر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك الذي آمن بالكوكب وكفر بي » .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه : «هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنه يقول : إن الذين يقولون نسقى بنجم كذا وكذا فقد كفر بالله وآمن بذلك النجم ، والذين يقولون سقانا الله فقد آمن بالله وكفر بذلك النجم » .

وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن محيريز أن سليمان بن عبد الملك دعاه فقال : لو تعلمت علم النجوم فازددت إلى علمك ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث : حيف الأئمة وتكذيب بالقدر وإيمان بالنجوم » .

وأخرج عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم والتكذيب بالقدر وظلم الأئمة » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن جابر السوائي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أخاف على أمتي ثلاثاً : استسقاء بالأنواء وحيف السلطان وتكذيباً بالقدر » .

وأخرج أحمد عن معاوية الليثي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يكون الناس مجدبين ، فينزل الله عليهم رزقاً من رزقه فيصبحون مشركين ، قيل له : كيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا » .

وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا » .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : «وتجعلون شكركم » يقول : على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة ، يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وكان ذلك منهم كفراً بما أنعم الله عليهم .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافراً يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما «وتجعلون شكركم أنكم تكذبون » .

وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : كان ناس يمطرون فيقولون مطرنا بنوء كذا وكذا .