تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

16

المفردات :

آتاهم : ألهمهم .

التفسير :

17- { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } .

إذا كان الكفار والمنافقون قد أعرضوا عن الهدى فطمس الله على قلوبهم ، كما قال تعالى : { بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } . ( المطففين : 14 ) .

فإن المؤمنين الذين أحبوا الإسلام واهتدوا بالقرآن ، قد زادهم الله هداية وتوفيقا ، ومنحهم التقوى ، وهي مراقبة الله ومحبته ، والإخلاص في طاعته ، والإيمان به ، وإيثار مرضاته ، والالتزام بتنفيذ أوامره ، والابتعاد عما نهى عنه .

قال الإمام علي : التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والاستعداد ليوم الرحيل .

وقيل : التقوى هي ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ ، وقيل : التقوى هي ألا يراك حيث نهاك ، وألا يفقدك حيث أمرك ، وكلها تلتقي على أن التقوى حالة من الشفافية والإيمان ، والمحبة لله وطلب القرب منه ، والتزام طاعته وابتغاء مرضاته .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

{ والذين اهتدوا } إلى طريق الحق { زَادَهُمْ } أي الله عز وجل { هُدًى } بالتوفيق والإلهام ، والموصول يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بفعل محذوف يفسره المذكور و { هُدًى } مفعول ثان لأن زاد قد يتعدى لمفعولين ، ويحتمل أن يكون تمييزاً والأول هو الظاهر ، وتنوينه للتعظيم أي هدى عظيماً { وءاتاهم تَقُوَاهُمْ } أي أعطاهم تقواهم إياه جل شأنه بأن خلقها فيهم بناءً على ما يقوله الأشاعرة في أفعال العباد أو بأن خلق فيهم قدرة عليها مؤثرة في فعلها بإذنه سبحانه على ما نسبه الكوراني إلى الأشعري وسائر المحققين في أفعال العباد من أنها بقدرة خلقها الله تعالى فيهم مؤثرة بإذنه تعالى ، وقول بعضهم : بأن جعلهم جل شأنه متقين له سبحانه يمكن تطبيقه على كل من القولين ، وقال البيضاوي : أي بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها فالإيتاء عنده مجاز عن البيان أو الإعانة أو هو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أو فيه مضاف مقدر وليس في شيء من ذلك ما يأباه مذهب أهل الحق ، وذكر الزمخشري الثاني والثالث من ذلك ، واختار الطيبي الأول من هذين الاثنين وقال : هو أوفق لتأليف النظم الكريم لأن أغلب آيات هذه السورة الكريمة روعي فيها التقابل فقوبل { أُولَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } [ محمد : 16 ] بقوله سبحانه : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى } لأن الطبع يحصل من تزايد الرين وترادفع ما يزيد في الكفر ، وقوله تعالى : { واتبعوا أَهْوَاءهُمْ } [ محمد : 16 ] بقوله جل وعلا : { والذين اهتدوا } فيحمل على كمال التقوى وهو أن يتنزه العارف عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه سبحانه بشراشره وهو التقوى الحقيقية المعنية بقوله تعالى : { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] فإن المزيد على مزيد الهدى مزيد لا مزيد عليه ، وفي الترفع عن متابعة الهوى النزوع إلى المولى والعزوب عن شهوات الحياة الدنيا ، ثم في إسناد إيتاء التقوى إليه تعالى وإسناد متابعة الهوى إليهم إيماءً إلى معنى قوله تعالى حكاية : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] وتلويح إلى أن متابعة الهوى مرض روحاني وملازمة التقوى دواء إلهي انتهى .

وما ذكره من التقابل جار فيما ذكرناه أيضاً ، وكذا يجري التقابل على تفسير إيتاء التقوى ببيان ما يتقون لإشعار الكلام عليه بأن ما هم فيه ليس من ارتكاب الهوى والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوي ، وتفسير ذلك بإعطاء جزاء التقوى مروى عن سعيد بن جبير وذهب إليه الجبائي ، والكلام عليه أفيد وأبعد عن التأكيد من غير حاجة إلى حمل التقوى على أعلى مراتبها ، وأمر التقابل هين فإنه قد يقال : إن قوله تعالى : { اهتدوا } في مقابلة { اتبعوا أَهْوَاءهُمْ } وقوله سبحانه : { زَادَهُمْ هُدًى } في مقابلة { طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } فليتدبر ، وقيل : فاعل { زَادَهُمْ } ضمير قوله صلى الله عليه وسلم المفهوم من قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } [ محمد : 16 ] وقوله سبحانه : { مَاذَا قَالَ ءانِفاً } [ محمد : 16 ] وكذا فاعل { ءاتاهم } أي أعانهم أو بين لهم ، والإسناد مجازي ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ، وأيضاً إذا كان قوله تعالى : { زَادَهُمْ هُدًى } في مقابلة قوله سبحانه : { طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } فالأولى أن يتحد فاعله مع فاعله ويجري نحو ذلك على ما قاله الطيبي لئلا يلزم التفكيك ، وجوز أن يكون ضميراً عائداً على قول المنافقين فإن ذلك مما يعجب منه المؤمن فيحمد الله تعالى على إيمانه ويزيد بصيرة في دينه ، وهو بعيد جداً بل لا يكاد يلتفت إليه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ} (17)

قوله : { والذين اهتدوا زادهم هدى } يعني والذين شرح الله صدورهم للإيمان وكتب لهم التوفيق والهداية وحب الحق ، زادهم سماع القرآن إيمانا إلى إيمانهم أو يقينا إلى يقينهم { وآتاهم تقواهم } أي ألهمهم خشيته ليجتنبوا نواهيه ويأتمروا بأوامره وأحكام دينه .