تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

26

المفردات :

باطلا : عبثا ولهوا .

ويل : هلاك وعذاب يأتيهم من النار .

التفسير :

27- { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } .

لم نخلق السماء والأرض ، والفضاء والهواء ، والكون كله باطلا وعبثا ولهوا ، بل خلقناه لحكمة ، وهي معرفة الناس لله وعبادته وطاعته ، وامتثال أمره ، واجتناب نواهيه .

قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } . [ الذاريات : 56 ] . .

أي : ليعرفوني ويعبدوني ويطيعوني .

{ ذلك ظن الذين كفروا } .

بأنهم خلقوا عبثا ، وسيتركون سدى ، فلا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء ، والآية ردٌّ على المشركين في إنكار البعث ، ذلك لأن هذا الكون البديع يحتاج إلى إله عادل ، والدنيا ليست دار جزاء ، فلا بد من يوم للجزاء العادل ، وإنكار هذا اليوم كفر .

{ فويل للذين كفروا من النار } .

الذين كفروا بالله ، وعزموا على هذا الكفر ، وأصروا على أنهم لو مكثوا في الدنيا خالدين لاستمرّ كفرهم بالله ، فسيكون عقابهم النار ، التي يصلون عذابها فتحرق أجسامهم ، ويأكلون الضريع والزقوم وجمر جهنم وحجارتها ، ثم يسقون من الحميم الذي يُقطّع أمعاءهم ، ويشوي وجوههم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

{ وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا } أي خلقاً باطلاً فهو منصوب على النيابة عن المفعول المطلق نحو كل هنيئاً أي أكلاً هنيئاً ، والباطل ما لا حكمة فيه ، وجوز كونه حالاً من فاعل { خَلَقْنَا } بتقدير مضاف أي ذوي باطل ، والباطل اللعب والعبث أي ما خلقنا ذلك مبطلين لاعبين كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [ الدخان : 38 ] وجوز كونه حالاً من المفعول أيضاً بنحو هذا التأويل ، وأياً ما كان فالكلام مستأنف مقرر لما قبله من أمر المعاد والحساب فإن خلق السماء والأرض وما بينهما من المخلوقات مشتملاً على الحكم الباهرة والأسرار البالغة والفوائد الجمة أقوى دليل على عظم القدرة وأنه لا يتعاصاها أمر المعاد والحساب فإن خلق ذلك كذلك مؤذن بأنه عز وجل لا يترك الناس إذا ماتوا سدى بل يعيدهم ويحاسبهم ولعله الأولى .

وجوز كون الجملة في موضع الحال في فاعل { نَسُواْ } [ ص : 26 ] جيء بها لتفظيع أمر النسيان كأنه قيل : بما نسوا يوم الحساب مع وجود ما يؤذن به وهو كما ترى ، وجوز كون { باطلا } مفعولاً له ويفسر بخلاف الحق ويراد به متابعة الهوى كأنه قيل : ما خلقنا هذا العالم للباطل الذي هو متابعة الهوى بل للحق الذي هو مقتضى الدليل من التوحيد والتدرع بالشرع كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ولا يخفى بعده ، وعليه تكون الجملة مستأنفة لتقرير أمر النهي عن اتباع الهوى ، وقيل : تكون عطفاً على ما قبلها بحسب المعنى كأنه قيل : لا تتبع الهوى لأنه يكون سبباً لضلالك ولأنه تعالى لم يخلق العالم لأجل متابعة الهوى بل خلقه للتوحيد والتمسك بالشرع فلا تغفل .

{ ذلك } إشارة إلى ما نفى من خلق ما ذكر باطلاً { ظَنُّ الذين كَفَرُواْ } أي مظنونهم ليصح الحمل أو يقدر مضاف أي ظن ذلك ظن الذين كفروا فإن إنكارهم المعاد والجزاء قول بأن خلق ما ذكر خال عن الحكمة وإنما هو عبث ولذا قال سبحانه : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] أو فإن إنكارهم ذلك قول بنفي عظم القدرة وهو قول بنفي دليله وهو خلق ما ذكر مشتملاً على الحكم الباهرة والإسرار ، وهذا بناءً على الوجه الأول في بيان التقرير وهو كما ترى { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } مبتدأ وخبر والفاء لإفادة ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل كما أن وضع الموصول موضع ضميرهم لإشعار ما في حيز الصلة بعلية كفرهم له ، ولا تنافي بينهما لأن ظنهم من باب كفرهم فيتأكد أمر التعليل ، و { مِنْ } في قوله تعالى : { مِنَ النار } ابتدائية أو بيانية أو تعليلية كما في قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] ونظائره وتفيد على هذا علية النار لثبوت الويل لهم صريحاً بعد الإشعار بعلية ما يؤدى إليها من ظنهم وكفرهم أي فويل لهم بسبب النار المترتبة على ظنهم وكفرهم ، قيل والكلام عليه على تقدير مضاف أي من دخول النار .