إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

{ وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا } كلامٌ مستأنفٌ مقررٌ لما قبله من أمرِ البعثِ والحسابِ والجزاءِ وما خلقناهُما وما بينهما من المخلوقاتِ على هذا النِّظامِ البديعِ الذي تحارُ في فهمِه العقولُ خلقاً باطلاً أي خالياً عن الغايةِ الجليلةِ والحكمةِ الباهرةِ بل منطوياً على الحقِّ المُبين والحِكم البالغةِ حيثُ خلقنا من بينِ ما خلقنا نُفوساً أودعناها العقلَ والتَّمييزَ بين الحقِّ والباطلِ والنَّافعِ والضَّارِّ ومكنَّاها من التَّصرفاتِ العلميةِ والعمليةِ في استجلابِ منافعِها واستدفاعِ مضارِّها ونصبنا للحقِّ دلائلَ آفاقيةً وأنفسيةً ومنحناها القُدرةَ على الاستشهادِ بها ثم لم نقتصرْ على ذلك المقدارِ من الألطافِ بل أرسلنا إليها رُسلاً وأنزلنا عليها كُتباً بيّنا فيها كلَّ دقيقٍ وجليلٍ وأزحنا عللَها بالكلِّية وعرضناها بالتكليف للمنافع العظيمةِ وأعددنا لها عاقبةً وجزاءً على حسب أعمالِها { ذلك } إشارةٌ إلى ما نُفي من خلقِ ما ذُكر باطلاً { ظَنُّ الذين كَفَرُواْ } أي مظنونهم فإنَّ جحودَهم بأمرِ البعثِ والجزاءِ الذي عليه يدورُ فلكُ تكوينِ العالمِ قولٌ منهم ببطلانِ خلقِ ما ذُكر وخلوِّه عن الحكمةِ سبحانَهُ وتعالى عمَّا يقولون علوّاً كبيراً . { فَوَيْلٌ للذِينَ كَفَرُواْ } مبتدأٌ وخبرٌ والفاءُ لإفادةِ ترتُّبِ ثبوتِ الويلِ لهم على ظنِّهم الباطلِ كما أنَّ وضع الموصولِ موضعَ ضميرهم للإشعارِ بما في حيِّز الصِّلةِ بعلية كفرهم له ، ولا تنافي بينهما لأنَّ ظنَّهم من باب كُفرِهم . ومِن في قوله تعالى : { مِنَ النار } تعليليةٌ كما في قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لهُمْ ممَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } [ سورة البقرة ، الآية79 ] ونظائرِه ، ومفيدةٌ لعليَّةِ النَّار لثبوتِ الويلِ لهم صَريحاً بعد الإشعارِ بعليةِ ما يُؤدِّي إليها من ظنِّهم وكفرِهم أي فويلٌ لهم بسببِ النَّارِ المترتِّبةِ على ظنِّهم وكفرِهم .