الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

{ باطلا } خلقاً باطلاً ، لا لغرض صحيح وحكمة بالغة . أو مبطلين عابثين ، كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاعبين مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق } [ الدخان : 39 ] وتقديره : ذوي باطل أو عبثاً ، فوضع باطلاً موضعه ، كما وضعوا هنيئاً موضع المصدر ، وهو صفة ، أي : ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ، ولكن للحق المبين ، وهو أن خلقناها نفوساً أودعناها العقل والتمييز ، ومنحناها التمكين ، وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف ، وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب أعمالهم . و { ذلك } إشارة إلى خلقها باطلاً ، والظنّ : بمعنى المظنون أي : خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا .

فإن قلت : إذا كانوا مقرّين بأن الله خالق السموات والأرض وما بينهما بدليل قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ] فبم جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة . قلت : لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب ، مؤدياً إلى أن خلقها عبث وباطل ، جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه ، لأنّ الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم من رأسها ، فمن جحده فقد جحد الحكمة من أصلها ، ومن جحد الحكمة في خلق العالم فقد سفه الخالق ، وظهر بذلك أنه لا يعرفه ولا يقدره حق قدره ، فكان إقراره بكونه خالقاً كلا إقرار .