تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا } الباطل هو الفعل الذي يذم عليه فاعله . والحق هو الذي يحمد عليه فاعله .

وقوله تعالى : { ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا } لم يظن أحد من الكفرة أن الله خلق شيئا باطلا ، لكن يكون خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما بينهما من الأصل مخلوقا باطلا على ما عند أولئك الكفرة وفي حسبانهم ؛ لأن عندهم أن لا بعث ولا حياة بعد ما يموتون .

وكان خلق ذلك كله لو لم يكن بعث ولا نشور خلقا باطلا لوجهين : أحدهما : أنه لو لم يكن بعث لحصل إنشاؤه إياهم للفناء خاصة . وإنشاء الشيء وبناؤه للفناء خاصة لا لعاقبة تقصد عبث باطل سفه كقوله عز وجل : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } [ المؤمنون : 115 ] إلى آخر الآية ، صير خلقه إياهم إذا لم يكن رجوع إليه عبثا . لذلك كان ما ذكرنا .

والثاني : أنه لو لم يكن بعث لكان خلقهم غير حكمة ، لأنه قد جمعهم جميعا في هذه الدنيا ولذاتها ولم يفرق بين الولي والعدو . وفي الحكمة التفريق والتمييز بينهما . فلو لم تكن دار أخرى لتفرق بينهما لكان في خلقهم غير حكيم .

ثم يقول قتادة في قوله عز وجل { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض } إلى قوله { بما نسوا يوم الحساب } يقول : لم يذكر الله عز وجل من شأن داوود عليه السلام ما ذكر إلا أن يكون داوود قضى نحبه من الدنيا على طاعة الله والعمل بما يرضي الله والعدل في ما ولاه الله عز وجل ولكن الله تعالى وعظ نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين موعظة بليغة شافية ، ليعلم أن من ولي من هذا الحكم شيئا أنه ليس بين الله وبين العباد سبب يعطيهم خيرا ، ولا يدفع عنهم به شرا إلا بطاعة الله والعمل بما يرضي .

وقوله عز وجل : { إنا جعلناك خليفة في الأرض } أي : جعلنا لك الخلافة في ما ذكرنا .