تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا} (12)

9

{ وإذ تقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا }

المفردات :

مرض : ضعف اعتقاد .

إلا غرورا : باطلا من القول لا حقيقة له .

التفسير :

واذكروا أيها المؤمنون حين نجم النفاق من المنافقين حين شاهدوا حرج الموقف وشدة الضيق بالمسلمين فالأحزاب أمامهم كثيرون واليهود نقضوا العهد والمؤمنون في كرب شديد يتوقعون الهجوم عليهم من جهتين وهم في قلة وعسرة ، عند ذلك ظهر النفاق والمرض سافرا حيث قالوا : إن محمدا يعدنا بالنصر على كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يستطيع الخروج إلى الخلاء وحده .

روى النسائي بإسناده عن البراء قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرضت لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وضرب الصخرة ، فصارت كثيبا أهيل ثم قال لأصحابه " إن الله أضاء لي من هذه الصخرة كنوز كسرى وقيصر " عند ذلك قال المنافقون ومرضى القلوب : ما وعدنا الله ورسوله من النصر والاستيلاء على المماليك إلا وعدا باطلا لا سبيل إلى تحقيقه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا} (12)

ولما علم بهذا أن الحال المزلزل لهم كان في غاية الهول ، أشار{[55177]} إلى أنهم لم يزلزلهم بأن حكى أقوال المزلزلين ، ولم يذكر أقوالهم وسيذكرها بعد ليكون الثناء عليهم بالثبات مع عظيم الزلزال مذكوراً مرتين إشارة وعبارة ، فقال : { وإذ } وأشار إلى تكريرهم لدليل النفاق بالمضارع فقال : { يقول } أي مرة بعد أخرى { المنافقون } أي الراسخون في النفاق ، لأن قلوبهم مريضة ملأى مرضاً { والذين في قلوبهم مرض{[55178]} } أي من أمراض الاعتقاد بحيث أضعفها في الاعتقاد والثبات في مواطن اللقاء وفي كل معنى جليل ، فهم بحيث لم يصلوا إلى الجزم بالنفاق ولا الإخلاص في الإيمان ، بل هم على حرف فعندهم نوع النفاق ، فالآية من الاحتباك : ذكر النفاق أولاً دال{[55179]} عليه ثانياً ، وذكر المرض ثانياً دليل{[55180]} عليه أولاً ، {[55181]}وهذا الذي قلته في القلوب موافق لما ذكره الإمام السهروردي في الباب السادس والخمسين من عوارفه عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه سراج يزهو ، فذلك قلب المؤمن ، وقلب أسود منكوس ، فذلك قلب الكافر ، وقلب مربوط على غلاف ، فذلك قلب المنافق ، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد ، فأيّ المدتين{[55182]} غلبت عليه حكم له بها " وروى هذا الحديث الغزالي في أواخر كتاب قواعد العقائد من الإحياء{[55183]} عن أبي سعيد الخدري ، وقال الشيخ زين الدين العراقي : أخرجه أحمد{[55184]} .

ولما كان المكذب لهم بتصديق وعد الله - ولله الحمد - كثيراً ، أكدوا قولهم وذكروا الاسم الأعظم{[55185]} وأضافوا الرسول إليه فقالوا : { ما وعدنا الله } الذي ذكر لنا{[55186]} أنه محيط الجلال والجمال { ورسوله } أي{[55187]} الذي قال من قال من قومنا : إنه رسول ، استهزاء منهم ، وإقامة للدليل في زعمهم لهذا البلاء على بطلان تلك الدعوى { إلا غروراً * } أي باطلاً استدرجنا{[55188]} به إلى الانسلاخ عما كنا عليه من دين آبائنا وإلى الثبات على ما صرنا إليه بعد ذلك الانسلاخ بما وعدنا به من ظهور هذا الدين على{[55189]} الدين كله ، والتمكين في البلاد حتى في حفر الخندق ، فإنه قال : إنه أبصر بما برق له في ضربه لصخرة سلمان{[55190]} مدينة صنعاء من اليمن وقصور وكسرى بالحيرة من أرض فارس ، وقصور الشام من أرض الروم ، وإن تابعيه سيظهرون على ذلك كله{[55191]} وقد صدق الله وعده في جميع ذلك حتى في لبس سراقة بن مالك ابن جعشم سوارى كسرى بن هرمز كما هو مذكور مستوفى في دلائل{[55192]} النبوة للبيهقي ، وكذبوا في شكهم .

ففاز المصدقون ، وخاب الذين هم في ريبهم يترددون .


[55177]:في ظ: إشارة.
[55178]:ليس في الأصل فقط.
[55179]:من م ومد، وفي الأصل وظ: دالا.
[55180]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دليلا.
[55181]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[55182]:كذا في مسند الإمام أحمد، وفي ظ وإحياء العلوم: المادتين.
[55183]:راجع 1/90.
[55184]:راجع مسنده 3/17.
[55185]:زيد من ظ وم ومد.
[55186]:زيد من ظ وم ومد.
[55187]:سقط من ظ.
[55188]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: استدراجا.
[55189]:زيد من م ومد.
[55190]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: سليمان.
[55191]:سقط من ظ.
[55192]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دليل.