نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا} (12)

ولما علم بهذا أن الحال المزلزل لهم كان في غاية الهول ، أشار{[55177]} إلى أنهم لم يزلزلهم بأن حكى أقوال المزلزلين ، ولم يذكر أقوالهم وسيذكرها بعد ليكون الثناء عليهم بالثبات مع عظيم الزلزال مذكوراً مرتين إشارة وعبارة ، فقال : { وإذ } وأشار إلى تكريرهم لدليل النفاق بالمضارع فقال : { يقول } أي مرة بعد أخرى { المنافقون } أي الراسخون في النفاق ، لأن قلوبهم مريضة ملأى مرضاً { والذين في قلوبهم مرض{[55178]} } أي من أمراض الاعتقاد بحيث أضعفها في الاعتقاد والثبات في مواطن اللقاء وفي كل معنى جليل ، فهم بحيث لم يصلوا إلى الجزم بالنفاق ولا الإخلاص في الإيمان ، بل هم على حرف فعندهم نوع النفاق ، فالآية من الاحتباك : ذكر النفاق أولاً دال{[55179]} عليه ثانياً ، وذكر المرض ثانياً دليل{[55180]} عليه أولاً ، {[55181]}وهذا الذي قلته في القلوب موافق لما ذكره الإمام السهروردي في الباب السادس والخمسين من عوارفه عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه سراج يزهو ، فذلك قلب المؤمن ، وقلب أسود منكوس ، فذلك قلب الكافر ، وقلب مربوط على غلاف ، فذلك قلب المنافق ، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد ، فأيّ المدتين{[55182]} غلبت عليه حكم له بها " وروى هذا الحديث الغزالي في أواخر كتاب قواعد العقائد من الإحياء{[55183]} عن أبي سعيد الخدري ، وقال الشيخ زين الدين العراقي : أخرجه أحمد{[55184]} .

ولما كان المكذب لهم بتصديق وعد الله - ولله الحمد - كثيراً ، أكدوا قولهم وذكروا الاسم الأعظم{[55185]} وأضافوا الرسول إليه فقالوا : { ما وعدنا الله } الذي ذكر لنا{[55186]} أنه محيط الجلال والجمال { ورسوله } أي{[55187]} الذي قال من قال من قومنا : إنه رسول ، استهزاء منهم ، وإقامة للدليل في زعمهم لهذا البلاء على بطلان تلك الدعوى { إلا غروراً * } أي باطلاً استدرجنا{[55188]} به إلى الانسلاخ عما كنا عليه من دين آبائنا وإلى الثبات على ما صرنا إليه بعد ذلك الانسلاخ بما وعدنا به من ظهور هذا الدين على{[55189]} الدين كله ، والتمكين في البلاد حتى في حفر الخندق ، فإنه قال : إنه أبصر بما برق له في ضربه لصخرة سلمان{[55190]} مدينة صنعاء من اليمن وقصور وكسرى بالحيرة من أرض فارس ، وقصور الشام من أرض الروم ، وإن تابعيه سيظهرون على ذلك كله{[55191]} وقد صدق الله وعده في جميع ذلك حتى في لبس سراقة بن مالك ابن جعشم سوارى كسرى بن هرمز كما هو مذكور مستوفى في دلائل{[55192]} النبوة للبيهقي ، وكذبوا في شكهم .

ففاز المصدقون ، وخاب الذين هم في ريبهم يترددون .


[55177]:في ظ: إشارة.
[55178]:ليس في الأصل فقط.
[55179]:من م ومد، وفي الأصل وظ: دالا.
[55180]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دليلا.
[55181]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[55182]:كذا في مسند الإمام أحمد، وفي ظ وإحياء العلوم: المادتين.
[55183]:راجع 1/90.
[55184]:راجع مسنده 3/17.
[55185]:زيد من ظ وم ومد.
[55186]:زيد من ظ وم ومد.
[55187]:سقط من ظ.
[55188]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: استدراجا.
[55189]:زيد من م ومد.
[55190]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: سليمان.
[55191]:سقط من ظ.
[55192]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دليل.