تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ} (75)

قصة نوح عليه السلام

{ ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ( 75 ) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ( 76 ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( 77 ) وتركنا عليه في الآخرين ( 78 ) سلام على نوح في العالمين ( 79 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 80 ) إنهم من عبادنا المؤمنين ( 81 ) ثم أغرقنا الآخرين ( 82 )* }

المفردات :

نادانا : من النداء : وهو الاستغاثة .

فلنعم المجيبون : أجبناه أحسن الإجابة .

75

التفسير :

75- { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون } .

مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، حتى يئس من إيمانهم ، وأخبره الله أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، فدعا الله أن يهلكهم قائلا : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا* إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } . [ نوح : 26 ، 27 ] .

لقد استغاث بالله تعالى : { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر } . [ القمر : 10 ] .

أي : قال : إني مقهور مغلوب على أمري ، فانتصر لي يا الله ، فنعم ما أجاب به الله ، حيث نصره الله بالطوفان الذي أغرق الكافرين ، وحمله الله في سفينة يركب فيها مع من اتبعه من المؤمنين .

وخلاصة معنى الآية :

استغاث بنا نوح فأجبناه أحسن إجابة ، حيث نجيناه من الغرق ، ونصرنا المؤمنين ، وأهلكنا الكافرين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ} (75)

ولما كان مقصود السورة التنزيه الذي هو الإبعاد عن النقائص ، ولذلك كان أنسب الأشياء الإقسام أولها بالملائكة الذين هم أنزه الخلق ، وكان أعلى الخلق من جرد نفسه عن الحظوظ بما يؤتيه الله من المجاهدات والمنازلات والمعالجات حتى يلحق بهم فيجوز مع فضلهم معالي الجهاد ، فكان أحق الأنبياء بالذكر من كان أكثر تجريداً لنفسه من الشواغل سيراً إلى مولاه وتعريجاً عن كل ما سواه ، وكان الأب الثاني من أحقهم بذلك لأنه تجرد في الجهاد بالدعاء إلى الله ألف عام ثم تجرد عن كل شيء على ظهر الماء بين الأرض والسماء ، فقال تعالى مؤكداً لما تقدم من أنه دعا إلى التأكيد من أن مكثه في قومه المدة الطويلة مبعد لأن يكونوا وافقوه ومالوا معه وتابعوه ، ولأن فعل العرب في التكذيب مع ترادف المعجزات وتواتر العظات عمل من هو مكذب بوقوع النصرة للمرسلين ، والعذاب للمكذبين ، عطفاً على ما تقديره : فقاسى الرسل من الشدائد ما لا تسعه الأوراق ، وجاهدوهم بأنفسهم والتضرع إلى الله تعالى في أمرهم : { ولقد نادانا } لما لنا من العظمة { نوح } بقوله

( رب إني مغلوب فانتصر }[ القمر : 10 ] ونحوه مما أخبر الله عنه به بعد أمور عظيمة لقيها منهم من الكروب ، والشدائد والخطوب ، لنكشف عنه ما أعياه من أمرهم .

ولما أغنت هذه الجملة عن شرح القصة وتطويلها ، وكان قد تسبب عن دعائه إجابته ، قال بالتأكيد بالاسمية والإشارة إلى القسم والأداة الجامعة لكل مدح وصيغة العظمة إلى أن هول عذابهم وعظم مصابهم بلغ إلى أنه مع شهرته لا يكاد يصدق ، فهو يحتاج إلى اجتهاد كبير وشدة اعتناء ، فكانت الإجابة إجابة من يفعل ذلك وإن كانت الأفعال بالنسبة إليه سبحانه على حد سواء ، لا تحتاج إلى غير مطلق الإرادة : { فلنعم المجيبون * } أي كنا بما لنا من العظمة له ولغيره ممن كان نعم المجيب لنا ، هذه صفتنا لا تغير لها .