تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ} (75)

الآية 75 وقوله تعالى : { ولقد نادانا نوح فلنِعم المجيبون } قال بعضهم : حين دعا ربه ، فقال : { أني مغلوب فانتصر } [ القمر : 10 ] فكأنه دعا ربه بالهلاك على قومه ، فأجاب الله دعاءه ، وهو ما قال عز وجل { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } إلى آخر ما ذكر { ولقد تركناها آية فهل من مدّكر } [ القمر : 11 -15 ]{[17774]} .

ثم [ بيّن تعالى ]{[17775]} أن الرسل عليهم السلام هم مخصوصون بأمرين{[17776]} من بين غيرهم من الناس :

أحدهما : أن ليس لهم الدعاء على قلوبهم بالهلاك وسؤال العذاب عليهم إلا بعد مجيء الإذن لهم من الله عز وجل بالدعاء عليهم . فنوح عليه السلام إنما دعا ربه بإنزال الهلاك عليهم بالإذن من ربه .

والثاني : لم يكن لهم الخروج من بين أظهرهم عند نزول العذاب بهم إلا بإذن من الله عز وجل على ذلك . ولذلك جاء العتاب ليونس عليه السلام والتعبير لما خرج من بينهم عند نزول العذاب بهم بلا إذن كان من ربه حين{[17777]} قال عز وجل : { وذا النون إذ ذهب مُغاضبًا فظن أن لن نقدر عليه } [ الأنبياء : 87 ] .

هما خصلتان{[17778]} لهم خاصة ، صلوات الله عليهم ، وأما لغيرهم من أهل الدين فلهم أن يدعوا على الفَجَرة والفَسقة منهم باللعن والهلاك ، فلهم أن يفرّوا منهم ، وأن يخرجوا من بين أظهرهم لفسقهم وفجورهم ، وكان هذا يعدّ من صالح الأعمال لهم .

وقوله تعالى : { فلنِعم المجيبون } وهو رب ، تبارك ، وتعالى ، ذكر المجيبين على الجماعة أنا نفعل كذا ، وفعلنا كذا ، وهو كلام الملوك في ما بينهم .

ثم كل فعل ، يضاف إلى الله تعالى ، [ مما يُنسَب إلى غيره في الجملة ]{[17779]} فإنه يزاد فيه شيء{[17780]} ، يكون فاصلا بينه{[17781]} وبين فعل غيره [ دفعا لوهم المشابهة والشركة عن قلوب الناس كما يقال : إنه عالم لا كالعلماء ونحو ]{[17782]} ما قال عز وجل في موضع آخر : { وأنت أحكم الحاكمين } [ هود : 45 ] [ ونحو قوله : [ فتبارك الله أحسن الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] ]{[17783]} . مما يُكثر ذلك ، لأنه قادر على وفاء ما وعد ، وأخبر ، وإنجاز ذلك ، لا يعجزه شيء ، وغيره من الخلائق ، لعلهم لا يقدرون على وفاء ذلك والقيام بإنجاز ما وعدوا . لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم .


[17774]:ساقطة من الأصل وم.
[17775]:في الأصل وم: أمر.
[17776]:في الأصل وم: بهما.
[17777]:في الأصل وم: حيث.
[17778]:من م، في الأصل: فضلتان.
[17779]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل و م: فيه غيره أو ينسب.
[17780]:في الأصل وم: شيئا.
[17781]:أدرج قبلها في الأصل و م: وذلك.
[17782]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل نحو، في م: ونحو قوله: عالم لا كالعلماء ونحوه، مدرجة بعد {وأنت أحكم الحاكمين}.
[17783]:من نسخة المكي، ساقطة من الأصل وم.