تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

ختام سورة يس وإثبات البعث

{ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ( 77 ) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ( 78 ) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ( 79 )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ( 80 ) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( 81 ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( 82 ) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ( 83 ) }

المفردات :

أولم ير : أو لم يعلم .

من نطفة : من مني يصب في الرّحم

خصيم مبين : شديد الخصومة واضحها .

77

التفسير :

77- { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين } .

من نطفة مذرة ، ومن مني يمنى ، ومن ماء مهين ، يصبُّ في رحم المرأة ، ويتم الإخصاب ، ويتحول الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام ، ثم يكسو الله العظام لحما ، ثم يُنشئه خلقا آخر بديعا ، فيه الحواس والعقل والسمع والبصر والإدراك .

وكان الأولى به أن يكون عارفا بقدره ، مؤمنا بقدرة ربّه لكنه حاول أن يجادل ، وأن يثبت استبعاد البعث والحشر ، لأن الميت يتحول إلى عظام بالية ، بعيدة عن الحياة في رأيه ، وما علم أن الذي خلقه أوّل مرة قادر على ان يبعثه حيا مرة أخرى .

قال تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إن كنا فاعلين } [ الأنبياء : 104 ]

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

شرح الكلمات :

{ أو لم ير الإنسان } : أي المنكر للبعث كالعاصي بن وائل السهمي ، وأبيّ بن خلف .

{ أنا خلقناه من نطفة } : أي من منيّ إلى أن صيرناه رجلا قويا .

{ فإذا هو خصيم مبين } : أي شديد الخصومة بيّنها في نفي البعث .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء تلك العقيدة التي يتوقف عليها غالباً هداية الإِنسان وإصلاحه فقال تعالى ردّا على العاصي بن وائل السهميّ وأبي بن خلف حيث جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم ففته وذراه وقال أتزعم يا محمد أن الله يبعث هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يميتك ثم يحيك ثم يحشرك إلى جهنم ونزلت هذه الآيات { أو لم ير الإِنسان } أي أينكر البعث وهو يعلم أنا خلقناه من نطفة أي من ماء مهين وسويناه رجلا فإِذا هو خصيم لنا أي مخاصم يرد علينا ويشرك بنا وينكر إحياءنا للأموات وبعثهم يوم القيامة فكيف يعمى هذا العمى ويجهل هذا الجهل القبيح ، إذ القادر على البدء قادر عقلا على الإِعادة وهي أهون عليه .

/ذ77

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

ولما أثبت سبحانه بهذا الدليل قدرته على ما هدد به أولاً من التحويل من حال إلى أخرى ، فثبتت بذلك قدرته على البعث ، وختم بإحاطة العلم الملزوم لتمام القدرة ، أتبع ذلك دليلاً أبين من الأول فقال عاطفاً على { ألم يروا } : { أولم ير } أي يعلم علماً هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر .

ولما كان هذا المثل الذي قاله هذا الكافر لا يرضاه حمار لو نطق ، أشار إلى غباوته بالتعبير بالإنسان الذي هو - وإن كان أفطن المخلوقات لما ركب فيه سبحانه من العقل - تغلب عليه الإنس بنفسه حتى يصير مثلاً فقال : { الإنسان } أي جنسه منهم ومن غيرهم وإن كان الذي نزلت فيه واحداً { أنا خلقناه } بما لنا من العظمة { من نطفة } أي شيء يسير حقير من ماء لا انتفاع به بعد إبداعنا أباه من تراب وأمه من لحم وعظام { فإذا هو } أي فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من حالة النطفة وهي أنه { خصيم } أي بالغ الخصومة { مبين * } أي في غاية البيان عما يريده حتى أنه ليجادل من أعطاه العقل والقدرة في قدرته ، أنشد الأستاذ أبو القاسم القشيري في ذلك :

أعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني