فتنة : ابتلاء واختبار وامتحان .
15- { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .
المال والولد فتنة ، بمعنى اختبار وابتلاء ، لينظر الله إلى سلوك العبد تجاه هذه النعمة ، هل يؤدّي زكاة المال ؟ هل يتصدق على المحتاجين ؟ هل يساعد الضعفاء والمساكين ؟
وهل يتقي الله في الأولاد ، فيحسن تربيتهم وتعليمهم وتهذيبهم ؟ وهل يتماسك أمام الزوجة والأولاد ، فلا ينشغل بهم عن حقوق الله عليه ؟
كما قال سبحانه وتعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون } . ( المنافقون : 9 ) .
والمراد بذكر الله : تذكّره وطاعته ، والتزام أوامره ، واجتناب نواهيه .
{ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .
وعند الله ثواب عظيم ، وجزاء كريم في الدنيا والآخرة ، لمن آثر الحلال من الأموال ، وابتعد عن الحرام والشبهات ، وآثر الالتزام بأوامر الله في تربية أولاده وبناته ، فصانهم عن الحرام ، وحثهم على أداء الفرائض ، واجتناب المحرمات ، فهذا أهل للجزاء العظيم عند الله ، حيث يجعله من أهل القربى والزلفى والرضوان والنعيم المقيم .
أخرج البخاري ومسلم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم لأفضل من ذلك ؟ قالوا : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أُحلّ عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم أبدا " . xv
فتنة : بلاء ومحنة توقع في المهالك .
ثم كرر الله تعالى التحذير فقال :
{ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }
فاحذروهم ولا تُلهينَّكم أموالُكم وأولادكم عن عمل الخير ، والسعي في سبيل الله . إن كثيراً من أصحاب الأموال ساهون لاهون عن عمل الخيرِ ، كلُّ هَمِّهم أنفسُهم وأولادُهم وزوجاتهم .
وفي الحديث الصحيح : « إن لكل أمةٍ فتنةً ، وفتنةُ أمتي المال » رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن كعب بن عياض . وهذا ما يجري اليوم ، وقد فتح الله على الأمة العربية أبواب الخيرات وجاءهم المالُ بدون حساب ، ونراهم يبذّرونه على أنفسِهم ومُتَعِهم ولا ينفقون منه في سبيل الله والدفاع عن أوطانهم والاستعداد لعدوهم الذي يهدّد كيانهم ، بل يكدّسون المال عند الأعداء ، ولا ينتفع منه إلا العدو ، هدام الله .
{ والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
لمن آثَرَ محبَّته على محبةِ المال والأولاد ، ونفعَ به المحتاجين ، وأنفق منه في سبيل الله والوطن .
{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة } بلاء واختبار وشغل عن الآخرة ، يقع بسببها الإنسان في العظائم ومنع الحق وتناول الحرام ، { والله عنده أجر عظيم } قال بعضهم : لما ذكر الله العداوة أدخل فيه من للتبعيض ، فقال : { إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم } لأن كلهم ليسوا بأعداء ، ولم يذكر " من " في قوله : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأنها لا تخلو عن الفتنة واشتغال القلب . وكان عبد الله بن مسعود يقول : لا يقولن أحدكم : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة ، فإنه ليس منكم أحد يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن .
أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري ، أنبأنا أبو سعيد أحمد بن محمد ابن الفضل الفقيه ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الفقيه ، حدثنا أحمد بن بكر بن سيف ، حدثنا علي بن الحسن ، أنبأنا الحسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبا بريدة يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا ، فجاء الحسن والحسين ، وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ، فحملهما فوضعهما بين يديه ، ثم قال : صدق الله : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " .
ولما{[65863]} حكم على البعض ، كان كأنه قيل : فما حكم سائره ؟ فكأن الحكم بذلك يلزم منه الحذر من الكل لكن للتصريح سر كبير في ركون النفس إليه ، فقال حاصراً الجميع ضاماً إليهم المال الذي به قيام ذلك كله وقدمه لأنه أعظم فتنة : { إنما } وأسقط الجار لأن شيئاً من ذلك لا يخلو عن شغل القلب فقال : { أموالكم } أي عامة { وأولادكم } كذلك { فتنة } أي اختبار مميل عن الله لكم وهو أعلم بما في نفوسكم منكم لكن ليظهر في عالم الشهادة من يميله ذلك فيكون عليه نقمة ممن لا يميله فيكون له نعمة ، فربما رام الإنسان صلاح ماله وولده فبالغ فأفسد نفسه ثم لا يصلح ذلك ماله ولا ولده ، وذلك أنه{[65864]} من شأنه أن يحمل على كسب الحرام {[65865]}ومنع{[65866]} الحق والإيقاع في الإثم ، روي عن أبي نعيم في الحلية في ترجمة سفيان{[65867]} الثوري عنه أنه قال : " يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له : أكل عياله حسناته " " ويكفي فتنة المال قصة{[65868]} ثعلبة بن حاطب أحد من نزل فيه قوله فتنة تعالى :
{ ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن }{[65869]}[ التوبة : 75 ] " وكأنه سبحانه ترك ذكر الأزواج في الفتنة لأن منهن من يكون صلاحاً وعوناً على الآخرة .
ولما كان التقدير : ففي الاحتراز من فتنهم{[65870]} تعب كبير ، لا يفوت به منهم إلا حظ يسير ، وكانت النفس عند ترك مشتبهاتها ومحبوباتها قد{[65871]} تنفر ، عطف عليه مهوناً له بالإشارة إلى كونه فانياً وقد وعد عليه بما لا نسبة له منه مع بقائه قوله : { والله } أي ذو الجلال { عنده } وناهيك بما يكون منه بسبيل جلاله وعظمه { أجر } ولم يكتف سبحانه بدلالة السياق على أن التنوين للتعظيم حتى وصفه بقوله : { عظيم * } أي لمن ائتمر بأوامره التي إنما نفعها لصاحبها ، فلم يقدم على رضاه مالاً ولا ولداً ، وذلك الأجر أعظم من منفعتكم بأموالكم وأولادكم على وجه ينقص من الطاعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.