افترى : اختلق بادّعاء الشركاء له .
الإسلام : الاستسلام والانقياد والخضوع لله عز وجل .
7- { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
الإسلام دين الله إلى البشرية كلها ، فالإسلام بمعنى الانقياد لحكم الله تعالى ، يطلق على ملة إبراهيم ، وديانة موسى ، ورسالة عيسى ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
فمن يكذّب برسالة عيسى فقد أعظم على الله الفرية ، حين يدعوه رسول إلى الإيمان بالله تعالى ، ويقدّم معجزات بينات ، فيدّعي أن هذا سحر ظاهر بيّن .
هذا هو الرأي الأول في تفسير الآية ، وخلاصته : لا أحد أشد ظلما للحقيقة ، من هذا الذي يفتري الكذب على الله ، فيُكذّب عيسى في رسالته ، ويتهمه بأنه ساحر ظاهر السحر .
أما الرأي الثاني فتقريره كالآتي :
إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثابتة في أعماق الكون ، وقد لبى الله برسالة محمد صلى الله عليه وسلم دعوة إبراهيم ، وبشارة موسى وعيسى ، فلما ظهر محمد صلى الله عليه وسلم كذّبه بنو إسرائيل ، والحال أن محمدا صلى الله كان يدعوهم للإسلام : الدين الحق ، والرسالة الأخيرة إلى البشرية ، فكذب بنو إسرائيل برسالة محمد صلى الله عليه وسلم رغم أنهم ، يعرفونه كم يعرفونه أبناءهم . . . ( البقرة : 146 ) .
{ ومن أشد ظلما وعدوانا ممن اختلق على الله الكذب } ، وهو قول قائلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم : هو ساحر ، وما جاء به سحر ، فكذلك افتروه على الله الكذب وهو يدعي إلى الإسلام ، يقول : إذ دُعي إلى الدخول في الإسلام ، قال على الله الكذب ، وافترى عليه الباطلxi .
بشّر كل نبي قومه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما أفرد الله تعالى ذكر عيسى بالبشارة في هذا الموضع لأنه آخر نبي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فبين تعالى أن البشارة به عمّت جميع الأنبياء ، واحدا بعد واحد ، حتى انتهت إلى عيسى عليه السلام ، آخر أنبياء بني إسرائيل .
فلا يكون أحد أظلم ممن يدعوه ربه للإسلام على لسان نبيه ، فيجعل مكان إجابته افتراء الكذب على الله ، بتسمية نبيه ساحرا ، وتسمية آيات الله المنزلة سحراxii .
الإسلام : معناه هنا الاستسلام والانقياد لأمر الله .
من أشدُّ ظلماً وعدواناً ممن اختلقَ على الله الكذب ، وهو يدعو إلى الإسلام ! لقد دعاهم الرسولُ الكريم إلى نبذ الشِرك ، ودعاهم إلى الإيمان بالله وحده فلم يؤمنوا ، وأثاروا حوله الشكوك والافتراءات ، { والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } الّذين يفترون على الله الكذب .
{ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب } : أي لا أحد أعظم ظلماً ممن يكذب عل الله فينسب إليه الولد والشريك ، والقول والحكم وهو تعالى برىء من ذلك .
{ وهو يدعى إلى الإِسلام } : أي والحال أن هذا الذي يفترى الكذب على الله يدعى إلى الإِسلام الذى هو الاستسلام والانقياد لحكم الله وشرعه .
{ والله لا يهدى القوم الظالمين } : أي من ظَلم ثم ظلم وواصل الظلم يصبح الظلم طبعاً له فلا يصبح قابلاً للهداية فيحرمها حسب سنة الله تعالى في ذلك .
يقول تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب } والحال أنه يدعى الإِسلام الدين الحق إنه لا أظلم من هذا الإِنسان أبداً ، إن ظلمه لا يقارن بظلم هذا معنى قوله تعالى في الآية الأولى ( 7 ) { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب } . أي اختلق الكذب على الله عز وجل وقال له كذا وكذا وقال أو شرع كذا وهو لم يقل ولم يشرع . كما هي حال مشركي قريش نسبوا إليه الوليد والشريك وحرموا السوائب والبحائر والحامات وقالوا في عبادة أصنامهم لو شاء الله ما عبدناهم إلى غير ذلك من الكذب الاختلاق على الله عز وجل . وقوله وهو يدعى إلى الإسلام إذ لو كان أيام الجاهلية حيث لا رسول ولا قرآن لهان الأمر أما أن يكذب على الله والنور غامر والوحي ينزل والرسول يدعو ويبين فالأمر أعظم والظلم أظلم .
قوله تعالى : { ومن أظلم } أي لا أحد أظلم " ممن افترى على الله الكذب " تقدم في غير موضع{[14942]} . { وهو يدعى إلى الإسلام } هذا تعجب ممن كفر بعيسى ومحمد بعد المعجزات التي ظهرت لهما . وقرأ طلحة بن مصرف " وهو يدعى " بفتح الياء والدال وشدها وكسر العين ، أي ينتسب . ويعي وينتسب سواء . { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي من كان في حكمه أنه يختم له بالضلالة .
ولما كان التقدير إعلاماً بأنهم أظلم الناس لتعمدهم للكذب : فمن أظلم منهم لتهتكهم في ذلك ، عطف عليه قوله : { ومن أظلم } وعم{[65043]} كل من اتصف بوصفهم فقال : { ممن افترى } أي تعمد { على الله } أي الملك الأعلى { الكذب } الذي هو أقبح الأشياء { وهو } أي والحال أنه { يدعى } أي من أي داع كان { إلى الإسلام } الذي هو أحسن الأشياء فيكفي في الدعاء إليه أدنى تنبيه لأنه الاعتراف بالحق لمن هو له ، فيجعل مكان الإجابة افتراء الكذب في تلك الحالة{[65044]} الحسنى .
ولما كان التقدير : فهو لا يهديه الله لأجل ظلمه ، عطف عليه قوله : { والله } أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه { لا يهدي القوم{[65045]} } أي لا يخلق الهداية في قلوب من فيهم قوة المحاولة للأمور الصعاب{[65046]} { الظالمين * } أي الذين يخبطون في عقولهم خبط من هو في الظلام .