{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 12 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ( 13 ) }
يبايعنك : يعاهدنك بالتزام الطاعة .
ولا يقتلن أولادهن : ولا يئدن البنات .
ببهتان : بزور وكذب بإلصاق اللقطاء بالأزواج .
فبايعهن واستغفر لهن الله : فالتزم لهنّ ضمان الثواب إذا وفين بهذه الأشياء .
12- { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
تشتمل الآية على مكارم الأخلاق التي بايع الرسول صلى الله عليه وسلم عليها النساء .
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات مبايعات لك ، ومعاهدات على هذه الأمور ، وهي :
{ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } . من صنم أو حجر .
{ وَلَا يَسْرِقْنَ } . من مال الناس شيئا .
{ وَلَا يَزْنِينَ } . وقد حذر القرآن من الزنا ، وبيّن أنه فاحشة وساء سبيلا .
{ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ } . ولا يئدن البنات ، كما كنّ يفعلن في الجاهلية ، أو لا يقتلن الأجنة في بطونهن ، فإنّ ذلك عدوان وقتل للنفس بغير حق .
{ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ . . . }
ولا يلحقن الأطفال الأجانب بأزواجهن كذبا وزورا ، أو : ولا يأتين بكذب وزور من قبل أنفسهن ، واليد والرجل كناية عن الذات ، لأن معظم الأفعال بهما .
قال المفسرون : كانت المرأة إذا خافت مفارقة زوجها لها لعدم الحمل ، التقطت ولدا ونسبته له ليبقيها عنده ، فالمراد بالآية اللقيط .
{ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ . . . }
ولا يخالفن أمرك فيما أمرتهنّ به من معروف ، أو نهيتهنّ عنه من منكر ، بل يسمعن ويطعن .
{ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ } .
فبايعهن يا رسول الله على ذلك ، واطلب لهنّ من الله الصفح والغفران ، لما سلف منهنّ من الذنوب .
{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
أي : واسع المغفرة عظيم الرحمة .
كنت بيعة النساء في ثاني يوم الفتح ، على جبل الصفا ، وبعدما فرغ من بيعة الرجال ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا ، وعمر أسفل منه ، يبايعهنّ بأمره ، ويبلغهنّ عنه ، وما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة أجنبية قط .
وكانت هند بنت عتبة – وهي التي شقت بطن حمزة يوم أحد – متنكرة في النساء ، فلما قرأ النبي صلى لله عليه وسلم عليهن الآية ، قال : عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا . . . قالت هند : وكيف نطمع أن يُقبل منّا ما لم يقبل من الرجال ؟ تعني أن هذا بيّن لزومه ، فلما قال : ولا يسرقن . قالت : والله إني لأصيب الهنة من مال أبي سفيان – أي القليل وبعض الشيء من ماله – لأنه رجل شحيح ، ولا أدري أيحلّ لي ذلك أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فقال لها : " وإنك لهند بنت عُتبة " ؟ قالت : نعم ، فاعف عما سلف يا نبي الله ، عفا الله عنك ، فلما قرأ : ولا يزنين . قالت : أو تزني الحرة ؟ فلما قرأ : ولا يقتلن أولادهن . قالت : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا ، فأنت وهم أعلم وكان ابنها حنظلة قد قُتل يوم بدر ، فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما قرأ : { وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } . قالت هند : والله إن البهتان لأمر قبيح ، ولا يأمر الله إلا بالرشد ومكارم الأخلاق . فلما قرأ : وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ . قالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا ، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيءxvi .
2- بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال أيضا على بنود بيعة النساء .
روى البخاري ، عن عبادة بن الصامت قال : كنّا عند النبي صلى الله علي وسلم فقال : " أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا " ، قرأ آية النساء ( أي : آية بيعة النساء ) ، ثم قال : " فمن وفّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله ، فهو إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " xvii
في مرحلة الإعداد للهجرة ، وتعرّض النبي صلى الله عليه وسلم للوفود ، قابل وفود المدينة المنوّرة ، وتمت بيعت العقبة الأولى والثانية ، وكان لهما أبعد الأثر في تهيئة المدينة المنورة لاستقبال الإسلام ، واحتضان الدعوة الإسلامية ، وكانت المدينة مرتكزا للإسلام ودعوته ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا .
روى محمد بن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن عبادة بن الصامت قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفرض الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ، وقال : " فإن وفيتم فلكم الجنة " .
بيعة الرضوان تمت عند الحديبية ، عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة عثمان بن عفان ، فاحتبسه أهل مكة وأشيع أنه قد قتل ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا نبرح حتى نناجز القوم " ، وبايع صلى الله عليه وسلم المسلمين على الموت وعلى ألا يفرّوا ، وقد بارك الله هذه البيعة وزكّى أهلها في كتابه العزيز ، حيث قال تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا . ( الفتح : 18 ) .
دلت الآية على تحريم الشرك بالله ، والسرقة ، والزنا ، وقتل الأولاد ، أي وأد البنات الذي كان في الجاهلية ، ويلحق به الإجهاض ، وإسقاط المرأة نفسها بدون عذر شرعي ، كما دلت الآية على تحريم إلحاق الأولاد اللقطاء بغير آبائهم ، وعصيان شرع الله فيما أمر ونهى .
ولم تقتصر المنهيات على هذه الأمور الستة ، فقد ورد في الحديث النهي عن التولّي يوم الزحف ، وعن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، وعن عقوق الوالدين ، وعن الزنا والربا والسحر واليمين الغموس ، وغير ذلك .
روى أحمد ، والشيخان ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال : " ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " xviii
ويفيد الحديث الدعوة إلى الصبر والتصبّر ، واحتساب الثواب عند الله ، والنهي عن الهلع والجزع ، وعدم الرضا بالقضاء والقدر .
وسبق أن ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الرجال على ما بايع عليه النساء ، فصارت الآية عامة للرجال والنساء .
وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره جملة من الأحاديث التي تدل على أن هذه البيعة قد تمّت في أوقات متعددة ، وفي أماكن مختلفة ، وأنها شملت الرجال والنساء .
{ يبايعنك } يعاهدنك . وأصل المبايعة : مقابلة شيء بشيء على جهة المعاوضة . وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها لها بها ؛ فإن الناس إذا التزموا قبول ما شرط عليهم من التكاليف الشرعية ، طمعا في الثواب وخوفا من العقاب ، وضمن لهم عليه الصلاة والسلام ذلك في مقابلة وفائهم بالعهد – صار كأن كل واحد منهم باع ما عنده بما عند الآخر . { ولا يقتلن أولادهن } المراد به وأد البنات . وكان ذلك في الجاهلية يقع تارة من الرجال ، وأخرى من النساء ؛ فكانت المرأة إذا حانت ولادتها حفرت حفرة فتمخّضت على رأسها ؛ فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة وردّت التراب عليها ، وإذا ولدت غلاما أبقته . ويستفاد من هذا النهي حكم إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه .
{ ولا يأتين ببهتان يفترينه . . . } ولا يأتين بأولاد يلتقطنهم وينسبنهم كذبا إلى الأزواج ؛ وليس الراد به الزّنى لتقدم ذكره . { ولا يعصينك في معروف } أي في أيّ أمر معروف ، ومنه ألا ينحن ولا يشققن جيبا ، ولا يخدشن وجها ، ولا يدعن بويل عند موت أو مصيبة . { فبايعهن } ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء بغير مصافحة ؛ وكان عددهن أربعمائة وسبعا وخمسين امرأة .
يبايعنك : يعاهدنك على الطاعة والالتزام بالأوامر واجتناب النواهي .
يا أيها النبي ، إذا جاءك المؤمناتُ يعاهدنك ويقدّمن لك الطاعة ، ويعبدن الله ولا يشركن به شيئا ، ولا يسرقن من مال أحد ، ولا يزنين ، ولا يقتلن أولادَهن كما كان يفعل أهل الجاهلية ، ولا يُلحقن بأزواجهنّ من ليس من أولادهم بهتانا وكذبا يختلقنه بين أيديهن وأرجلهن ، ولا يخالفنك في معروف تدعوهنّ إليه ، فعاهِدْهن على ذلك ، واطلب لهن المغفرة من الله ، { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر الذنوب جميعا ، ويشمل عباده برحمته .
{ 12 } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
هذه الشروط المذكورة في هذه الآية ، تسمى " مبايعة النساء " اللاتي [ كن ] يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة ، التي تجب على الذكور والنساء في جميع الأوقات .
وأما الرجال ، فيتفاوت ما يلزمهم بحسب أحوالهم ومراتبهم وما يتعين عليهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل ما أمره الله به ، فكان إذا جاءته النساء يبايعنه ، والتزمن بهذه الشروط بايعهن ، وجبر قلوبهن ، واستغفر لهن الله ، فيما يحصل منهن من التقصير{[1063]} وأدخلهن في جملة المؤمنين بأن { لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } بأن{[1064]} يفردنالله [ وحده ] بالعبادة .
{ وَلَا يَزْنِينَ } كما كان ذلك موجودا كثيرا في البغايا وذوات الأخدان ، { وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ } كما يجري لنساء الجاهلية الجهلاء .
{ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } والبهتان : الافتراء على الغير أي : لا يفترين بكل حالة ، سواء تعلقت بهن وأزواجهن{[1065]} أو سواء تعلق ذلك بغيرهم ، { وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } أي : لا يعصينك في كل أمر تأمرهن به ، لأن أمرك لا يكون إلا بمعروف ، ومن ذلك طاعتهن [ لك ] في النهي عن النياحة ، وشق الثياب ، وخمش الوجوه ، والدعاء بدعاء{[1066]} الجاهلية .
{ فَبَايِعْهُنَّ } إذا التزمن بجميع ما ذكر .
{ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ } عن تقصيرهن ، وتطييبا لخواطرهن ، { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } أي : كثير المغفرة للعاصين ، والإحسان إلى المذنبين التائبين ، { رَحِيمٌ } وسعت رحمته كل شيء ، وعم إحسانه البرايا .
قوله تعالى : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } الآية ، وذلك يوم فتح مكة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال ، وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه ، وهو يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه ، وهند بنت أبي عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبايعكن " { على أن لا تشركن بالله شيئاً } ، فرفعت هند رأسها وقالت : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال ، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام ، والجهاد فقط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، { ولا يسرقن } فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات ، فلا أدري أيحل لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فقال لها : وإنك لهند بنت عتبة ؟ قالت : نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك ، فقال : { ولا يزنين } فقالت هند : أو تزني الحرة ؟ فقال : { ولا يقتلن أولادهن } فقالت هند ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر ، فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى ، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } وهي أن تقذف ولداً على زوجها ليس منه- قالت هند : والله إن البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ، فقال : { ولا يعصينك في معروف } قالت هند : ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء . فأقر النسوة بما أخذ عليهن . قوله : { ولا يقتلن أولادهن } أراد وأد البنات الذي كان يفعل أهل الجاهلية . قوله { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } ليس المراد منه نهيهن عن الزنا ، لأن النهي عن الزنا قد تقدم ذكره ، بل المراد منه أن تلتقط مولوداً وتقول لزوجها هذا ولدي منك ، فهو البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، لأن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها . قوله :{ ولا يعصينك في معروف } أي في كل أمر وافق طاعة الله . قال بكر بن عبد الله المزني : في كل أمر فيه رشدهن . وقال مجاهد : لا تخلو المرأة بالرجال . وقال سعيد بن المسيب والكلبي وعبد الرحمن بن زيد : هو النهي عن النوح والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه ، ولا تحدث المرأة الرجال إلا ذا محرم ، ولا تخلو برجل غير ذي محرم ، ولا تسافر إلا مع ذي محرم . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا { أن لا يشركن بالله شيئاً } ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها فقالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها ، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فانطلقت ورجعت وبايعها " . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا هدية بن خالد ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، أن زيداً حدثه ، أن أبا سلام حدثه ، أن أبا مالك الأشعري حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم والنياحة " . وقال : " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عمرو بن حفص ، حدثنا أبي أنبأنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " . قوله : { فبايعهن } يعني إذا بايعنك فبايعهن ، { واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية : { لا يشركن بالله شيئاً } قالت : وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها } . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا محمد ابن عبد الله بن حمدون ، أنبأنا مكي بن عبدان ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، سمع أميمة بنت رقية تقول : " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقال لنا : فيما استطعتن وأطقتن ، فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم بنا من أنفسنا ، قلت : يا رسول الله بايعنا ، قال سفيان : يعني صافحنا ، فقال : إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة " .
{ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } أي لا يأتين بولد ينسبنه الى الزوج فان ذلك بهتان وفرية ، { ولا يعصينك في معروف } أي فيما وافق على طاعة الله تعالى ، { فبايعهن } أمره أن يبايعهن على الشرائط التي ذكرهافي هذه الآية .
الأولى- قوله تعالى : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك{[14915]} } لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جاء نساء أهل مكة يبايعنه ، فأمر أن يأخذ عليهن ألا يشركن . وفي صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله تعالى : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين } إلى آخر الآية . قالت عائشة : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انطلقن فقد بايعتكن ) ولا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام . قالت عائشة : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله عز وجل ، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن ( قد بايعتكن كلاما ) . وروي أنه عليه الصلاة والسلام بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب ، وكان يشترط عليهن . وقيل : لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا ومعه عمر أسفل منه ، فجعل يشترط على النساء البيعة وعمر يصافحهن . وروي أنه كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن . ابن العربي : وذلك ضعيف ، وإنما ينبغي التعويل على ما في الصحيح . وقالت أم عطية : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام ، فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن ، ألا تشركن بالله شيئا . فقلن نعم . فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : اللهم اشهد . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء ، فغمس يده فيه ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه .
الثانية- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال :{ على ألا يشركن بالله شيئا } قالت هند بنت عتبة وهي منتقبة خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد : والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا يسرفن ) فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله قوتنا . فقال أبو سفيان : هو لك حلال . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها وقال : ( أنت هند ) ؟ فقالت : عفا الله عما سلف . ثم قال : ( ولا يزنين ) فقالت هند : أو تزني الحرة ! ثم قال : ( ولا يقتلن أولادهن ) أي لا يئدن الموؤودات ولا يسقطن الأجنة . فقالت هند : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر ، فأنتم وهم أبصر . وروى مقاتل أنها قالت : ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا ، وأنتم وهم أعلم . فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى . وكان حنظلة بن أبي سفيان وهو بكرها قتل يوم بدر . ثم قال : " ولا يأتين ببهتان يفترينه بن أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " قيل : معنى " بين أيديهن " ألسنتهن بالنميمة . ومعنى بين " أرجلهن " فروجهن . وقيل : ما كان بين أيديهن من قبلة أو جسة ، وبين أرجلهن الجماع وقيل : المعنى لا يلحقن برجالهن ولدا من غيرهم . وهذا قول الجمهور . وكانت المرأة تلتقط ولدا فتلحقه بزوجها وتقول : هذا ولدي منك . فكان هذا من البهتان والافتراء . وقيل : ما بين يديها ورجليها كناية عن الولد ؛ لأن بطنها الذي تحمل فيه الولد بين يديها ، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها . وهذا عام في الإتيان بولد وإلحاقه بالزوج وإن سبق النهي عن الزنى .
وروي أن هندا لما سمعت ذلك قالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ؛ ما تأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق ! . ثم قال : " ولا يعصينك في معروف " قال قتادة : لا ينحن . ولا تخلو امرأة منهن إلا بذي محرم . وقال سعيد بن المسيب ، ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم : هو إلا يخمشن وجها . ولا يشققن جيبا ، ولا يدعون ويلا ولا ينشرن شعرا ولا يحدثن الرجال إلا ذا محرم . وروت أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك في النوح . وهو قول ابن عباس . وروى شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يعصينك في معروف " فقال : ( هو النوح ) . وقال مصعب بن نوج : أدركت عجوزا ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثتني عنه عليه الصلاة والسلام في قوله : " ولا يعصينك في معروف " فقال : ( النوح ) . وفي صحيح مسلم عن أم عطية لما نزلت هذه الآية : " يبايعنك على إلا يشركن بالله شيئا - إلى قوله - ولا يعصينك في معروف " قال : ( كان منه النياحة ) قالت : فقلت يا رسول الله ، إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن أسعدهم . فقال ، رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إلا آل فلان ) . وعنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح ، فما وفت منا امرأة إلا خمس : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنه أبي سيرة امرأة معاذ أو ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ . وقيل : إن المعروف ها هنا الطاعة لله ولرسوله ، قاله ميمون بن مهران . وقال بكر بن عبدالله المزني : لا يعصينك في كل أمر فيه رشدهن . الكلبي : هو عام في كل معروف أم الله عز وجل ورسول به . فروي أن هندا قالت عند ذلك : ما جلسنا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء .
الثالثة- ذكر الله عز وجل ورسول عليه الصلاة والسلام في صفة البيعة خصالا شتى ، صرح فيهن بأركان النهي في الدين ولم يذكر أركان الأمر . وهي ستة أيضا : الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والاغتسال من الجنابة . وذلك لأن النهي دائم في كل الأزمان وكل الأحوال ، فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد . وقيل : إن هذه المناهي كان في النساء كثير من يرتكبها ولا يحجزهن عنها شرف النسب ، فخصت بالذكر لهذا ونحو منه قول عليه الصلاة والسلام لوفد عبد القيس :( وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت{[14916]} ) فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي ، لأنها كانت شهوتهم وعادتهم ، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة له فيها .
الرابعة- لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة : ( ولا يسرقن ) قالت هند : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن آخذ ما يكفيني وولدي ؟ قال ( لا إلا بالمعروف ) فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع أو تأخذ أكثر من ذلك فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ) أي لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف ، يعني من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة . قال ابن العربي : وهذا إنما هو فيما لا يخزنه عنها في حجاب ولا يضبط عليه بقفل فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه كانت سارقة تعصي به وتُقطع يدها بذلك .
الخامسة- قال عبادة بن الصامت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : ( ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا يعضه بعضكم بعضا ولا تعصوا في معروف أمركم به ) ، معنى " يعضه " يسحر . والعضه : السحر . ولهذا قال ابن بحر وغيره في قوله تعالى : " ولا يأتين ببهتان " إنه السحر . وقال الضحاك : هذا نهى عن البهتان ، أي لا يعضهن رجلا ولا امرأة . " ببهتان " أي بسحر . والله اعلم . " يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " والجمهور على أن معنى " ببهتان " بولد يفترينه بين أيديهن " ما أخذته لقيطا . " وأرجلهن " ما ولدته من زنى . وقد تقدم .
السادسة- قوله تعالى : { ولا يعصينك في معروف } في البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى : " ولا يعصينك في معروف " قال : إنما هو شرط شرطه الله للنساء . واختلف في معناه على ما ذكرنا . والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وينهى عنه ، فيدخل فيه النوح وتخريق الثياب وجز الشعر والخلوة بغير محرم إلى غير ذلك . وهذه كلها كبائر ومن أفعال الجاهلية . وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية ) فذكر منها النياحة . وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين صفا عن اليمين وصفا عن اليسار ينبحن كما تنبح الكلاب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يؤمر بهن إلى النار ) . وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مُرِنَّة{[14917]} ) . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع نائحة فأتاها فضربها بالدرة حتى وقع خمارها عن رأسها . فقيل : يا أمير المؤمنين ، المرأةَ المرأةَ ! قد وقع خمارها . فقال : إنها لا حرمة لها . أسند جميعه الثعلبي رحمه الله . أما تخصيص قوله : " في معروف " مع قوة قوله : " ولا يعصينك " ففيه قولان : أحدهما : أنه تفسير للمعنى على التأكيد ، كما قال تعالى : " قال رب احكم بالحق{[14918]} " [ الأنبياء : 112 ] لأنه لو قال احكم لكفى . الثاني : إنما شرط المعروف في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون تنبيها على أن غيره أولى بذلك وألزم له وأنفى للإشكال .
السابعة- روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ) قرأ آية النساء . وأكثر لفظ سفيان قرأ في الآية ( فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له منها ) . وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب ، فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني انظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " - حتى فرغ من الآية كلها ، ثم قال حين فرغ - : أنتن على ذلك ) ؟ فقالت : امرأة واحدة لم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله ، لا يدري الحسن{[14919]} من هي . قال : ( فتصدقن ) وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفَتَخ{[14920]} والخواتيم في ثوب بلال . لفظ البخاري .
الثامنة- قال المهدوي : أجمع المسلمون على أنه ليس للإمام أن يشترط عليهن هذا ، والأمر بذلك ندب لا إلزام . وقال بعض أهل النظر : إذا احتيج إلى المحنة من أجل تباعد الدار كان على إمام المسلمين إقامة المحنة .
ولما خاطب سبحانه المؤمنين الذي لهم موضع الذب والحماية والنصرة بما وطن به المؤمنات في دار الهجرة فوقع الامتحان وعرف الإيمان ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحكم بإيمانهن بمبايعتهن فقال { يا أيها النبي } مخاطباً له بالوصف المقتضي للعلم ، ودل على تحقق{[64709]} كون ما يخبر به من مجيئهن بأداة التحقيق{[64710]} علماً من أعلام النبوة فقال : { إذا جاءك المؤمنات } جعل إقبالهن عليه{[64711]} صلى الله عليه وسلم لا سيما مع الهجرة مصححاً لإطلاق الوصف عليهن { يبايعنك } أي كل واحدة{[64712]} منهن تبايع { على أن لا يشركن } أي يوقعن الإشراك لأحد من الموجودات في وقت من الأوقات { بالله } أي الملك الذي لا كفوء له { شيئاً } أي من إشراك على الإطلاق .
ولما كان الشرك بذل حق الملك لمن لا يستحقه ، أتبعه أخذ مال المالك بغير حق{[64713]} لاقتضاء الحال لذلك بتمكن المرأة من اختلاس مال الزوج وعسر تحفظه منها{[64714]} فقال : { ولا يسرقن } أي يأخذن مال الغير بغير استحقاق في خفية ، وأتبع ذلك بذل حق الغير لغير أهله فقال : { ولا يزنين } أي يمكن أحداً من وطئهن بغير عقد صحيح .
ولما كان الزنا قد يكون سبباً في إيجاد أو إعدام نسمة بغير حقها ، أتبعه إعدام نسمة بغير حقه فقال : { ولا يقتلن أولادهن } أي بالوأد{[64715]} كما تقدم في النحل وساء في ذلك كونه من زنا أو لا .
ولما ذكر إعدام نسمة بغير {[64716]}حق ولا وجه شرعي{[64717]} أتبعه ما يشمل{[64718]} إيجاد نسمة بغير حل ، فقال مقبحاً له على سبيل الكناية{[64719]} عنه بالبهتان وما معه بالتصوير له بلوازمه وآثاره لأن استحضار القبيح وتصوير صورته أزجر عنه فقال : { ولا يأتين ببهتان } أي ولد من غير الزوج يبهت من الحاقة به حيرة في نفيه عنه { يفترينه } أي يتعمدن كذبه ، وحقق المراد به{[64720]} وصوره بقوله : { بين أيديهن } أي{[64721]} بالحمل في البطون{[64722]} { وأرجلهن } أي بالوضع من الفروج ولأن عادة الولد مع أنه يسقط بين أيدي أمه ورجليها أنه يمشي أمامها ، وهذا شامل لما كان من شبهة أو لقطة . ولما حقق هذه الكبائر العظيمة{[64723]} تعظيماً لأمرها لعسر الاحتراز منها ، وأكد النهي عن الزنى مطابقة وإلزاماً لما يجر إليه من شرور{[64724]} القتل فما دونه ، وغلظ أمر النسب{[64725]} لما يتفرع عليه من إيقاع الشبهات وانتهاك الحرمات ، عم في النهي فقال : { ولا يعصينك } أي على{[64726]} حال من الأحوال { في معروف } أي فرد كان منه صغيراً كان{[64727]} أو كبيراً ، وفي ذكره مع العلم بأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به إشعار بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وقدم المنهيات على المأمورات المستفادة من المعروف لأن التخلي عن الرذائل مقدم على التخلي بالفضائل لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح : { فبايعهن } أي التزم {[64728]}لهن بما{[64729]} وعدت على ذلك من إعطاء الثواب لمن وفت منهن في نظير ما ألزمن أنفسهن من الطاعة . ولما كان الإنسان محل النقصان لا سيما النسوان رجاهن سبحانه بقوله : { واستغفر } أي اسأل { لهن الله } أي الملك الأعظم ذا الجلال والإكرام في الغفران إن وقع منهن تقصير وهو واقع لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره .
ولما كانت عظمته سبحانه مانعة لعظيم الهيبة من سؤاله ما طمع به ، علله بقوله معيداً الاسم الأعظم لئلا يظن بإضماره وتقيده{[64730]} بحيثية الهجرة من النساء ونحو ذلك مؤكداً لما طبع الأدمي عليه من أنه لا يكاد يترك المسيء{[64731]} من عقاب أو عتاب فضلاً عن التفضيل بزيادة الإكرام : { إن الله } أي الذي له صفات {[64732]}الجلال والإكرام{[64733]} فلو أن الناس لا يذنبون لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم لتظهر صفة إكرامه { غفور } أي بالغ الستر للذنوب عيناً وأثراً { رحيم * } أي بالغ الإكرام بعد الغفران فضلاً منه وإحساناً ، وقد حقق سبحانه ذلك وصدق ، ومن أصدق من الله قيلاً ، " فأقبل النساء للبيعة عامة ثاني يوم الفتح على الصفا بعد فراغه{[64734]} صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال فنزلت هذه الآية وهو على الصفا فقام عمر بن الخطاب رضي الله أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه وهند بنت عتبة{[64735]} متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها ، فلما ذكر الشرك قالت{[64736]} : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال{[64737]} ، وبايع الرجال يومئذ{[64738]} على الإسلام والجهاد ، فقال :{ ولا يسرقن } فقالت : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب{[64739]} من ماله هنات فلا أدري أيحل لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال : وإنك لهند بنت عتبة{[64740]} ، قالت : نعم ، فاعف عني ما سلف عفا الله عنك ، فقال : { ولا يزنين } فقال : أو تزني الحرة ، فقال :{ ولا يقتلن أولادهن } فقالت : ربيناهم صغاراً {[64741]}وقتلتموهم كباراً وأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها{[64742]} حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى وتبسم{[64743]} رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر البهتان وهو أن تقذف ولداً على زوجها ليس منه ، قالت هند : والله إن البهتان لقبيح وما تدعونا إلا إلى الرشد ومكارم الأخلاق ، فقال { ولا يعصينك {[64744]}في معروف{[64745]} } فقالت : ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء ، وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له ، وكانت أسماء بنت يزيد بن السكن في المبايعات فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابسط يدك نبايعك ، فقال : إني لا أصافح النساء لكن آخذ عليهن "
، وعن الشعبي " أنه صلى الله عليه وسلم دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه{[64746]} ثم غمسن أيديهن فيه ، وعنه أنه صلى الله عليه وسلم لقنهن في المبايعة " فيما{[64747]} استطعتن وأطقتن " فقالت : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا " .