ورفعنا لك ذكرك : بالنبوة والرسالة ، كأن جعلتك تذكر مع ذكري في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها .
رفع الله له ذكره ، فختم به النبيين ، وجعل شريعته خاتمة الشرائع ، وجعلها باقية إلى يوم القيامة ، وأنزل عليه القرآن الكريم .
وملايين المآذن تردد الأذان ، وفيه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويتكرر ذلك في التّشهد ، وفي خطبة الجمعة ، وفي كثير من الأمور .
وقد جعل الله على يدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إنقاذ أعداد غفيرة من الناس من رق الأوهام ، وفساد الأحلام ، ورجع إلى الفطرة ، وحررهم من عبادة الأوثان والأصنام والشموس والأقمار .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة . اه .
أي : جعل شريعته ورسالته خاتمة الشرائع ، ورفع ذكره في الآخرة حيث أعطاه الله الشفاعة العظمى التي اختصه الله تعالى بها .
وقال آخرون : رفع الله ذكره في الأولين والآخرين ، ونوّه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به ، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به .
{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي : أعلينا قدرك ، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي ، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق ، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في الدخول في الإسلام ، وفي الأذان ، والإقامة ، والخطب ، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره ، بعد الله تعالى ، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته .
{ ورفعنا لك ذكرك } ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن ، حدثنا أبو بكر بن حبيب ، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ، حدثنا صفوان يعني ابن صالح عبد الملك ، حدثنا الوليد يعني ابن مسلم ، حدثني عبد الله بن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية { ورفعنا لك ذكرك } قال الله تعالى : إذا ذكرت ذكرت معي " . وعن الحسن قال : { ورفعنا لك ذكرك } إذا ذكرت ذكرت معي . وقال عطاء عن ابن عباس : يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر ، ولو أن عبداً عبد الله وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع بشيء ، وكان كافراً . وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . وقال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به . وقال مجاهد : يعني بالتأذين . وفيه يقول حسان بن ثابت :
ألم تر أن الله أرسل عبده*** ببرهانه ، والله أعلى وأمجد
أغر عليه للنبوة خاتم*** من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي مع اسمه*** إذ قال في الخمس أشهد
وشق له من اسمه ليجله*** فذو العرش محمود ، وهذا محمد
وقيل : رفع الله ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله .
قوله تعالى : { ورفعنا لك ذكرك }
قال مجاهد : يعني بالتأذين . وفيه يقول حسان بن ثابت :
أغَرُّ عليه للنبوة خاتَمٌ *** من الله مشهود يلوحُ ويُشْهِدُ
وضم الإله اسمَ النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهدُ
وروي عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : يقول له لا ذُكِرتُ إلا ذُكِرتَ معي في الأذان ، والإقامة والتشهد ، ويوم الجمعة على المنابر ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى : وأيام التشريق ، ويوم عرفة ، وعند الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وفي خطبة النكاح ، وفي مشارق الأرض ومغاربها . ولو أن رجلا عبد اللّه جل ثناؤه ، وصدق بالجنة والنار وكل شيء ، ولم يشهد أن محمدا رسول اللّه ، لم ينتفع بشيء وكان كافرا . وقيل : أي أعلينا ذكرك ، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك ، وأمرناهم بالبشارة بك ، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه . وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء ، وفي الأرض عند المؤمنين ، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود ، وكرائم الدرجات .
ولما شرفه في نفسه بالكمال الجامع للجلال إلى الجلال ، وكان ذلك لا يصفو إلا مع الشرف عند الناس قال : { ورفعنا } أي بما لنا من العظمة والقدرة الباهرة { لك } أي خاصة رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق كلهم { ذكرك * } عند جميع العالمين العقلاء وغيرهم بالصدق والأمانة والحلم والرزانة ومكارم الأخلاق وطهارة الشيم وانتفاء شوائب النقص حتى ما كانت شهرتك عند قومك قبل النبوة إلا الأمين ، وكانوا يضربون المثل بشمائلك الطاهرة ، وأوصافك الزاهرة الباهرة ، ثم بالنبوة ثم بالرسالة ثم بالهجرة ، وبأن جعلنا اسمك مقروناً باسمنا في كلمة التوحيد والإيمان والأذان والإقامة والتشهد والخطبة ، فلا أذكر إلا وذكرت معي ، ومن الكرامة الظفر على أعدائك والكرامة لأوليائك ، وجعل رضاك رضاي وطاعتك طاعتي ، وأمر ملائكتي بالصلاة عليك ، ومخاطبتي لك بالألقاب العلية والسمات المعزة المعلية من الرسول والنبي ، ونحو ذلك على حسب الأساليب ومناسبات التراكيب إلى غير ذلك من فضائل ومناقب وشمائل لا تضبط بالوصف ، قال الرازي : ثم جعل لأمته من ذلك أوفر الحظ ، قيل : يا رسول الله ، من أولياء الله ؟ قال : " الذين إذا ذُكروا ذُكر الله " وفي حديث : " الذين إذا رُؤُوا ذُكر الله " وقال : " خياركم من تذكر الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقه ، ويزهدكم في الدنيا عمله " فمنتهى قسمة الثناء أن خلط ذكره بذكره .