فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ} (4)

ثم ذكر سبحانه منته وكرامته عليه فقال { ورفعنا لك ذكرك } وزيادة ( لك ) في الموضعين و( عنك ) في موضع تفيد إبهام المشروح والموضوع والمرفوع ثم توضيحيه . والإيضاح بعد الإبهام أوقع في الذهن ، قال الحسن : وذلك أن الله لا يذكر في موضع إلا ذكر صلى الله عليه وسلم معه .

قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ؛ ولا صاحب صلاة إلا ينادي فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله ، قال مجاهد : يعني بالتأذين ، وعبارة الخطيب تذكر معي في الأذان والإقامة والتشهد ويوم الجمعة على المنابر ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم عرفة ، وأيام التشريق ، وعند الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وفي خطبة النكاح ومشارق الأرض ومغاربها ، ولو أن رجلا عبد الله وصدق بالجنة والنار وكل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم ينتفع بشيء وكان كافرا انتهى .

وقيل : المعنى ذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك وأمرناهم بالبشارة بك ، ولا دين إلا دينك يظهر عليه ، وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وعند المؤمنين في الأرض ، ونرفع ذكرك في الآخرة بما نعطيك من المقام المحمود وكرائم الدرجات وجلائل المراتب ، قال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به ، ولا تجوز خطبة إلا به .

وقيل : رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله .

والظاهر أن هذا الرفع لذكره الذي امتن الله به عليه يتناول جميع هذه الأمور ، فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر ، وكذلك أمره بالصلاة والسلام عليه وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا .

وكم من موضع في القرآن يذكر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الله سبحانه من ذلك قوله تعالى { والله ورسوله أحق أن يرضوه } وأمر الله بطاعته صلى الله عليه وآله وسلم كقوله { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } وقوله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا عنه } وقوله : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } وغير ذلك .

وبالجملة فقد ملأ ذكره الجميل السموات والأرضين ، وجعل الله له من لسان الصدق والذكر الحسن والثناء الصالح ما لم يجعله لأحد من عباده ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله عدد ما صلى عليه المصلون بكل لسان في كل زمان .

وما أحسن قول حسان رضي الله تعالى عنه :

أغر عليه للنبوة خاتم *** من الله مشهور يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي مع اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أتاني جبريل فقال إن ربك يقول : تدري كيف رفعت ذكرك . قلت الله ورسوله أعلم ، قال : إذا ذكرت ذكرت معي " {[1722]} أخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وقد روي بطرق .

وقال ابن عباس في الآية : لا يذكر الله إلا ذكر معه ، فهو الذي يطوى به الذكر الجميل ويبدأ .


[1722]:سقطت هذه الكلمة من الأصل، واستدركناها من الطبري وغيره.