تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (46)

46- { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } .

من عمل عملا صالحا في هذه الدنيا فنفع ذلك يعود على نفسه ، حيث سيستوفى الجزاء في الدنيا والآخرة ، فمن آمن بكتاب الله وأحسن تلاوته والانتفاع به ، هداه ذلك إلى أحسن السلوك ، وفعل الخير ، وجنى الثواب النافع في الدنيا والآخرة .

{ ومن أساء فعليها . . . } ومن كفر بالله ولم يستمع لكتاب الله ، ولا لرسالات السماء ، وجحد الحق ، فقد جنى على نفسه ، وعرّض نفسه لغضب الله في الدنيا وعذاب النار في الآخرة .

{ وما ربك بظلام للعبيد } .

{ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } . ( يونس : 44 ) .

فالله تعالى عادل تمام العدل في حكمه ، يكافئ على الحسنة بعشر أمثالها أو يزيد ، ويكافئ على السيئة بمثلها أو يغفر لصاحبها إذا تاب ، وقد ورد في القرآن والسنة تكريرا هذا المعنى ، فالله عادل وكريم .

قال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . ( الزلزلة 7 ، 8 ) .

وقال تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى } . ( النجم : 39-41 ) .

والآية – كما ترى – ميزان عادل ، ودعوة للخير ، وتحذير من الشرّ ، فالجزاء من جنس العمل ، فالمحسن يحسن إلى نفسه ، والمسيء يسئ إلى نفسه ، ولا يُعذِّبُ الله أحدا بعد بيان الحجة له ، وإرسال الرسل لهدايته ، وإنزال الكتب لشرح الرسالة وتوضيح الحقائق والبينات ، وتوضيح ألوان الهداية وسبل الرشاد ، فمن اهتدى وعمل صالحا فسيجنى ثوابا لنفسه ، ومن ضل وغوي فسيحصد عقابا عادلا بذنبه .

{ وما ربك بظلام للعبيد } .

فحشاه أن يظلم أحدا .

ذكر المفسرون هنا ما يأتي :

لفظة : { ظلّام } صيغة مبالغة ، ومعلوم أن نفي المبالغة لا يستلزم نفي أصل الفعل ، فقولك : زيد ليس بقتّال للرجال ، معناها : أنه ليس بكثير القتل للرجال ، أي أنه ربما قتل بعض الرجال ، ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة – وهي لفظ : { ظلاّم } – في هذه الآية وأمثالها ، المراد به نفى الظلم من أصله ، وقد أجابوا عن هذا الإشكال بإجابات منها :

أن نفي صيغة المبالغة هنا قد جاء في آيات كثيرة ما يدل على أن المراد به نفى الظلم من أصله ، ومن ذلك قوله تعالى : { ولا يظلم ربك أحدا . . . } ( الكهف : 49 ) .

وقوله تعالى : { إن الله لا يظلم الناس شيئا . . . } ( يونس : 44 ) .

وقوله تعالى : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة . . . } ( النساء : 40 ) .

ومنها أن المراد بالنفي في الآية نفى نسبة الظلم إليه ؛ لأن صيغة ( فعّال ) تستعمل مرادا بها النسبة ، فتغنى عن ياء النسب ، مثل قولهم ( لبّان ) أي : ذو لبن ، ( تمّار ) أي صاحب تمر ، ومثل ( عطّار ) و ( بخّار ) .

وفي الحديث القدسي ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

***

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (46)

{ وما ربك بظلام للعبيد } أي بذي ظلم لهم . فظلام : صيغة نسب – كتمار وخباز – لا صيغة مبالغة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (46)

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا } وهو العمل الذي أمر اللّه به ، ورسوله { فَلِنَفْسِهِ } نفعه وثوابه في الدنيا والآخرة { وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } ضرره وعقابه ، في الدنيا والآخرة ، وفي هذا ، حثٌّ على فعل الخير ، وترك الشر ، وانتفاع العاملين ، بأعمالهم الحسنة ، وضررهم بأعمالهم السيئة ، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى . { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } فَيُحمِّل أحدًا فوق سيئاتهم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (46)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (46)

قوله تعالى : " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها " شرط وجوابه " ومن أساء فعليها " . والله جل وعز مستغن عن طاعة العباد ، فمن أطاع فالثواب له ، ومن أساء فالعقاب عليه . " وما ربك بظلام للعبيد " نفى الظلم عن نفسه جل وعز قليله وكثيره ، وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها ، دليله قوله الحق : " إن الله لا يظلم الناس شيئا " [ يونس : 44 ] وروى العدول الثقات ، والأئمة الأثبات ، عن الزاهد العدل ، عن أمين الأرض ، عن أمين السماء ، عن الرب جل جلاله : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا . . . ) الحديث . وأيضا فهو الحكيم المالك ، وما يفعله المالك في ملكه لا اعتراض عليه ؛ إذ له التصرف في ملكه بما يريد .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (46)

ولما تقرر بما مضى أن المطيع ناجٍ ، وتحرر أن العاصي هالك كانت النتيجة من غير تردد : { من عمل صالحاً } كائناً من كان من ذكر أو أنثى { فلنفسه } أي فنفع عمله لها ببركتها به لا يتعداها ، والنفس فقيرة إلى التزكية بالأعمال الصالحة لأنها محل النقائص ، فلذا عبر بها ، وكان قياس العبارة في جانب الصلاح . " ومن عمل سيئاً " فأفاد العدول إلى ما عبر به مع ذكر العمل أولاً الذي مبناه العلم إن الصالح تتوقف صحته على نيته ، وأن السيء يؤاخذ به عامله في الجملة من الله أو الناس ولو وقع خطأ فلذا قال : { ومن أساء } أي في عمله { فعليها } أي على نفسه خاصة ليس على غيره منه شيء .

ولما كان لمقصد السورة نظر كبير إلى الرحمة ، كرر سبحانه وصف الربوبية فيها كثيراً ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فما ربك بتارك جزاء أحد أصلا خيراً كان أو شراً : { وما ربك } أي المحسن إليك بإرسالك لتتميم مكارم الأخلاق . ولما كان لا يصح أصلاً ولا يتصور أن ينسب إليه سبحانه ظلم ، عبر للدلالة على ذلك بنكرة في سياق النفي دالة على النسبة مقرونة بالجار فقال : { بظلام } أي بذم ظلم { للعبيد * } أي هذا الجنس فلا يتصور أن يقع منه ظلم لأحد منهم أصلاً لأن له الغنى المطلق والحكمة البالغة ، وعبر ب " عبيد " دون عباد لأنه موضع إشفاق وإعلام بضعف وعدم قدرة على انتصار وعناد يدل على طاعة وعدم حقارة بل إكرام هذا أغلب الاستعمال ، ولعل حكمة التعبير بصيغة المبالغة الإشارة إلى أنه لو ترك الحكم والأخذ للمظلوم من الظالم ، لكان بليغ الظلم من جهة ترك الحكمة التي هي وضع الأشياء في أتقن محالها ثم من جهة وضع الشيء وهو العفو عن المسيء وترك الانتصار للمظلوم في غير موضعه ، ومن جهة التسوية بين المحسن والمسيء ، وذلك أشد في تهديد الظالم لأن الحكيم لا يخالف الحكمة فكيف إذا كانت المخالفة في غاية البعد عنها - هذا مع أن التعبير بها لا يضر لأنها موضوعة أيضاً للنسبة إلى أصل المعنى مطلقاً ولأن نفي مطلق الظلم مصرح به في آيات أخرى .