الموءودة : البنت التي تدفن حية .
8 ، 9- وإذا الموءودة سئلت* بأي ذنب قتلت .
الموءودة : هي المقتولة ظلما ، وقد كان العرب يئدون البنات مخافة الفقر أو العار ، حتى لا تسبى في الحرب .
وكان منهم من إذا أراد قتل ابنته ، تركها حتى تكمل ست سنوات ، ثم يقول لأمها : زيّنيها وطيّبيها حتى تلحق بأحمائها ( أقاربها ) ، ثم يأخذها إلى الصحراء ، وقد حفر لها بئرا ، فيقول لها : انظري في هذه البئر ، ثم يدفعها من خلفها ، ثم يسوي عليها تراب البئر .
ومنهم من كان يمسك البنت إلى أن تكبر ، ثم يلبسها جبّة من صوف ، ويتركها ترعى الإبل ويمسكها على الذل ، وقد شنّع القرآن على هذه العادات ، ونهى عن فعلها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في إكرام البنات وتعليمهن وإحسان معاملتهن .
وأكرم الإسلام المرأة وليدة وناشئة وزوجة وأما ، وشنّع القرآن على إهانة البنت أو قتلها .
قال سبحانه وتعالى : وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم* يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون . ( النحل : 58 ، 59 ) .
وفي هذه الآية الكريمة : وإذا الموءودة سئلت . نجد القرآن الكريم يصوّر مشهدا مؤثرا ، مشهد القاتل الذي أزهق روح المقتولة بلا ذنب ولا جريرة ، يؤتى به موثقا ثم توقف المقتولة فتسأل : ما هو الذنب الذي ارتكبته حتى قتلت ؟ وتجيب الموءودة : لم أرتكب ذنبا ، وإنما ظلمت ظلما ، وعندئذ يحس الظالم بما فعل ، حتى يوشك ألا يستطيع النطق من هول ما فعل ، وسؤال الموءودة فيه إهمال للوائد ، كأنه فقد الإنسانية حتى قتل ابنته ، وهي تستغيث به فلا يغيثها ، فليس أهلا للسؤال .
وهذا السؤال للموءودة توبيخ للفاعلين للوأد ، لأن سؤالها يؤول إلى سؤال الفاعلين .
وسؤال الموءودة عن سبب القتل هو سؤال تلطّف ، لتقول : قتلت بلا ذنب ، أو لتدل على قاتلها ، أو لتوبيخ ذلك القاتل ، بصرف الخطاب عنه تهديدا له ، فإذا سئل المظلوم فما بال الظالم ؟
قال الشيخ محمد عبده في تفسير الآية :
فانظر إلى هذه القسوة ، وغلظ القلب ، وقتل البنات البريئات بغير ذنب ، سوى خوف الفقر أو العار –كيف استبدلت بالرحمة والرأفة بعد أن خالط الإسلام قلوب العرب ، فما أعظم نعمة الإسلام على الإنسانية بأسرها ، بمحوه هذه العادة القبيحة . vi .
عن السبب الذي لأجْله قُتلت . . ( وكانت هذه العادة عند العربِ من أسوأ العادات ، وكانت فاشيةً عندهم في الجاهلية ، فكان بعضهم يدفنون البناتِ وهن أحياء ، وبعضُهم يقتلونهنّ بشتى الوسائل : إما للغِيرة والحميّة ، وإما من الخوف من الفقر والإملاق ) . فجاء الإسلامُ وأبطلَ هذه العادةَ السيئة ، وأكرم الأنثى ، وأعطاها حقوقها واحترمَها غاية الاحترام ، وحلّت الرحمةُ محلّ الفظاظة ، والرأفةُ محل الغِلظة بفضل هذا الدين القويم . فما أعظمَ نعمةَ الإسلام على الإنسانية بأسرها !
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يراد بالسؤال تخويف وتهويل للذين وأدوها، ولا سؤال استخبار واستفهام، وهو كقوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} بالمائدة: 116] وليس يسأل عن هذا سؤال استخبار واستفهام، ولكن يسأل تخويف وتهويل من ادعى أن عيسى عليه السلام، هو الذي أمرهم أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله. [والثالث:] أن تسأل الموءودة: أتدعي؟ أم لا تدعي؟ وما الذي تدعي عليهم؟ فيبدأ بها بالسؤال كما يرى المدعي في الشاهد: هو الذي يبدأ بالسؤال، فيقال له: ما تدعي على هذا؟ فقوله: {بأي ذنب قتلت} كأنها إذا سئلت عن الذي ادعت، وقالت: {بأي ذنب قتلت} والله أعلم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{بأي} أي بسبب أيّ {ذنب} يا- أيها الجاهلون {قتلت} أي استحقت به عندكم القتل وهي لم- تباشر سوءاً لكونها لم تصل إلى حد التكليف، فما ظنك بمن هو فوقها وبمن هو جان، وسؤالها هو على وجه التبكيت لقاتلها، فإن العرب كانت تدفن البنات أحياء مخافة الإملاق أو لحوق العار بهن، ويقولون: نردها إلى الله هو أولى بها، فلا يرضون البنات لأنفسهم ويرضونها لخالقهم، وكان فيهم من يتكرم عن ذلك ومن يفدي الموءودات ويربيهن...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
توجيهُ السؤالِ إليهَا لتسليتِها وإظهارِ كمالِ الغيظِ والسَّخطِ لوائدها وإسقاطِه عن درجةِ الخطابِ والمبالغةِ في تبكيتِه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
(أي) اسم استفهام يطلب به تميز شيء من بين أشياء تشترك معه في حال. والاستفهام في {بأي ذنب} تقريري، وإنما سئلت عن تعيين الذنب الموجب قتلها دون أن تُسأل عن قاتلها لزيادة التهديد لأن السؤال عن تعيين الذنب مع تحقق الوائد الذي يسمع ذلك السؤال أن لا ذنب لها إشعار للوائد بأنه غير معذور فيما صنع بها. وينتزع من قوله تعالى: {سئلت بأي ذنب قتلت} الواردِ في سياق نفي ذنب عن الموءودة يوجب قتلها استدلالٌ على أنّ من ماتوا من أطفال المشركين لا يعتبرون مشركين مثل آبائهم...
أخبريني أي ذنب فعلته حتى يئدك أبوك، فكأن هذا تقريع للأب، بأنه ما كان يصح أن يعتدي عليها أبداً إلا إذا كانت قد ارتكبت ذنباً، وحيث لا ذنب، فمعنى ذلك أنك قد افتريت عليها بدون ذنب تستحقه، فهذا تقريع على أعنف صور التقريع.
ثم قيل على طريق الاستئناف تخويفاً للوالدين : { بأي } أي {[71858]}بسبب أيّ{[71859]} { ذنب } يا-{[71860]} أيها الجاهلون { قتلت * } أي استحقت به عندكم القتل وهي لم-{[71861]} تباشر{[71862]} سوءاً لكونها لم تصل إلى حد التكليف ، فما ظنك بمن هو فوقها وبمن هو جان ، وسؤالها هو على وجه التبكيت لقاتلها ، فإن العرب كانت تدفن البنات أحياء مخافة الإملاق أو لحوق العار بهن ، ويقولون : نردها إلى الله هو أولى بها ، فلا يرضون البنات لأنفسهم ويرضونها لخالقهم ، وكان فيهم من يتكرم عن{[71863]} ذلك{[71864]} ومن يفدي الموءودات ويربيهن ، وليس في الآية دليل على تعذيب أطفال الكفرة ولا عدمه ، فإن الكافر الذي يستحق الخلود قد يكون مستأمناً فلا يحل قتله ، والأطفال ما{[71865]} عملوا ما يستحقون به القتل ، ويؤخذ من سؤال المؤدة تحريم الظلم لكل أحد-{[71866]} وكف اليد واللسان عن كل إنسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.