تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

المفردات :

لمنقلبون : راجعون .

9

المفردات :

لتستووا : لتستقروا .

سخر : ذلل وطوّع .

مقرنين : أي : مطيقين ، قال عمرو بن معدي كرب :

لقد علم القبائل ما عقيل *** لنا في النائبات بمقرنينا

التفسير :

13- { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } .

أي : إذا ركبتم السفينة تأملتم في نعمة ربكم الذي سخر البحر والسفن لنا حتى نقول : { بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم } . ( هود : 41 ) .

وإذا ركبتم الدابة أو السيارة أو الطائرة أو أشباه ذلك قلتم : { سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .

وروح النص تفيد أن الإنسان عندما يستقر على ظهر السفينة ، أو على ظهر الدابة يذكر الله تعالى ، ويشكر أنعمه التي لا تحصى ويقول : { سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .

ومثل هذا الدعاء يقوله المؤمن عند ركوب المصعد إلى الأدوار العليا ، والسيارة والطيارة ؛ لأن هذا التسخير يذكرنا بأفضال الله علينا .

14- { وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .

وإنا راجعون إلى الله ، ومصيرنا إليه .

ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل

جاء في حاشية شيخ زادة على تفسير البيضاوي ما يأتي : وليس المراد من ذكر النعمة تصورها وإخطارها في البال ، بل المراد تذكر أنها نعمة حاصلة بتدبير القادر العليم الحكيم ، مستدعية لطاعته وشكره ، فإن من تفكر في أن ما يركبه الإنسان من الفلك والأنعام أكثر قوة وأكبر جثة من راكبه ، ومع ذلك كان مسخرا لراكبه ، يتمكن من تصريفه إلى أي جانب شاء ، وتفكر أيضا في خلق البحر والريح وفي كونهما مسخرين للإنسان مع ما فيهما من المهابة والأهوال ، استغرق في معرفة عظمة الله تعالى وكبريائه ، وكمال قدرته وحكمته ، فيحمله ذلك الاستغراق على أن يقول متعجبا من عظمة الله : { سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .

من تفسير ابن كثير

ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة :

حديث عبد الله بن عمر :

روى الإمام أحمد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبّر ثلاثا ، ثم قال : { سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } . ثم يقول : ( اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هوّن علينا السفر ، واطو لنا البعد ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا ) .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال : ( آيبون تائبون إن شاء الله ، عابدون لربنا حامدون )2 .

من تفسير فخر الدين الرازي

هناك أذكار ثلاثة ما ينبغي لعبد أن يدع قولها ، وليس بواجب ذكرها في اللسان ، وهي :

دعاء السفر في البحر : { بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم } . ( هود : 41 ) .

ودعاء السفر في البر : { سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .

ودعاء دخول المنازل : { رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } . ( المؤمنون : 29 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

لمنقلبون : لراجعون .

إننا يوم القيامة إلى ربنا لراجعون ، فيجازي كلَّ نفس بما كسبت ، فاستعدّوا لذلك اليوم ، ولا تغفلوا عن ذِكره .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{و} لكي تقولوا: {وإنا إلى ربنا لمنقلبون}، يعني لراجعون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وليقولوا أيضا: وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا يحتمل وجوها:..

والثاني: أنا إلى ما جعل لنا ربنا من الوصول إلى حوائجنا لمُنقلِبون بها وراجعون.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أمر بالإقرار بالبعث وترداد القول به، وذلك داعية إلى استشعار النظر فيه..

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وإنا إلى ربنا لمنقلبون} واعلم أن وجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن ركوب الفلك في خطر الهلاك، فإنه كثيرا ما تنكسر السفينة ويهلك الإنسان وراكب الدابة أيضا كذلك؛ لأن الدابة قد يتفق لها اتفاقات توجب هلاك الراكب، وإذا كان كذلك فركوب الفلك والدابة يوجب تعريض النفس للهلاك فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت، وأن يقطع أنه هالك لا محالة، وأنه منقلب إلى الله تعالى وغير منقلب من قضائه وقدره، حتى لو اتفق له ذلك المحذور كان قد وطن نفسه على الموت.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم ليتذكروا أنهم عائدون بعد الخلافة في الأرض إلى ربهم ليجزيهم عما فعلوا في هذه الخلافة التي زودهم فيها بأنعمه. وسخر لهم فيها ما سخر من القوى والطاقات:

(وإنا إلى ربنا لمنقلبون).. هذا هو الأدب الواجب في حق المنعم، يوجهنا الله إليه، لنذكره كلما استمتعنا بنعمة من نعمه التي تغمرنا، والتي نتقلب بين أعطافها.. ثم ننساه..! والأدب الإسلامي في هذا وثيق الصلة بتربية القلب وإحياء الضمير. فليس هو مجرد طقوس تزاول عند الاستواء على ظهور الفلك والأنعام، ولا مجرد عبارات يتلوها اللسان! إنما هو استحياء للمشاعر لتحس بحقيقة الله، وحقيقة الصلة بينه وبين عباده؛ وتشعر بيده في كل ما يحيط بالناس، وكل ما يستمتعون به مما سخره الله لهم، وهو محض الفضل والإنعام، بلا مقابل منهم، فما هم بقادرين على شيء يقابلون به فضل الله. ثم لتبقى قلوبهم على وجل من لقائه في النهاية لتقديم الحساب.. وكل هذه المشاعر كفيلة باستبقاء القلب البشري في حالة يقظة شاعرة حساسة لا تغفل عن مراقبة الله. ولا تجمد ولا تتبلد بالركود والغفلة والنسيان...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وتذكر آخر آية من هذه الآيات قول المؤمنين لدى ركوبهم المركب، إذ يقولون: (وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون).

هذه الجملة إشارة إلى مسألة المعاد بعد الحديث حول التوحيد؛ لأنّ الانتباه إلى الخالق والمبدأ، يلفت نظر الإِنسان نحو المعاد دائماً.

وهي أيضاً إشارة إلى أن لا تغترّوا عندما تركبون هذه المراكب وتتسلّطون عليها، ولا تغرقوا في مغريات الدنيا وزخارفها، بل يجب أن تكونوا دائماً ذاكرين للآخرة غير ناسين لها؛ لأنّ حالات الغرور تشتد وتتعمّق في مثل هذه الموارد خاصّة، والأشخاص الذين يتّخذون مراكبهم ووسائط نقلهم وسيلة للتعالي والتكبّر على الآخرين ليسوا بالقليلين.

ومن جهة ثالثة، فإنّ الاستواء على المركب والانتقال من مكان إلى آخر يذكّرنا بانتقالنا الكبير من هذا العالم إلى العالم الآخر.

نعم.. فنحن أخيراً ننقلب إلى الله سبحانه.

ملاحظة: ذكر الله عند الانتفاع بالنعم:

من النكات الجميلة التي تلاحظ في آيات القرآن الكريم، أنّ المؤمنين قد عُلّموا أدعية يقرؤونها عند التنعّم بمواهب الله سبحانه ونعمه.. تلك الأدعية التي تصقل روح الإِنسان وتهذّبها بمحتوياتها البنّاءة، وتبعد عنها آثار الغرور والغفلة.

فيأمر الله سبحانه نوحاً (عليه السلام) أن: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظالمين).

وهو سبحانه يأمرنا في هذه الآيات أن نشكر نعم الله تعالى، وأن نُسبّح الله عز وجل عند الاستواء على ظهورها.

فإذا تحوّل ذكر المنعم الحقيقي عند كلّ نعمة ينعم بها إلى طبع وملكة في الإنسان، فسوف لا يغرق في ظلمة الغفلة، ولا يسقط في هاوية الغرور، بل إنّ المواهب والنعم الماديّة ستكون له سلّماً إلى الله سبحانه!

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

{ وإنا إلى ربنا لمنقلبون } اعتراف : بالحشر .

فإن قيل : ما مناسبة هذا للركوب ؟ فالجواب : أن راكب السفينة أو الدابة متعرض للهلاك بما يخاف من غرق السفينة أو سقوطه عن الدابة ، فأمر بذكر الحشر ليكون مستعدا للموت الذي قد يعرض له وقيل : يذكر عند الركوب ركوب الجنازة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

ولما كان كل راكب شيئاً من هذين الصنفين مستحضراً كل حين أنه ينقلب بطن شقة أسفاره إلى محل قراره ، ذكرهم سبحانه بذلك أن ظهر هذه الأرض لهم مثل ظهور السفن والدواب يسبحون بها في لجج أمواج الزمان وتصاريف الحدثان ، هم على ظهرها مسافرون ، ولكنهم لطول الإلف عنه غافلون ، وقليلاً ما يذكرون ، وأنهم على خطر فيما صاروا إليه من ظهور هذه الأشياء يوشك أن يكون سبب موتهم ومثير هلكهم وقوتهم ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن ربنا كان ابتداؤنا لا نعلم شيئاً ولا نقدر على شيء ، والآن نحن متى شئنا ساكنون ، ومهما أردنا منتشرون { وإنا إلى ربنا } المحسن إلينا بالبداءة والإقرار على هذه التنقلات على هذه المراكيب لا إلى غيره { لمنقلبون } أي لصائرون ومتوجهون وسائرون بالموت وما بعده إلى الدار الآخرة انقلاباً لا إياب معه إلى هذه الدار ، فالآية منبهة بالسير الدنيوي على السير الأخروي ، وأكد لأجل إنكارهم للبعث حتى لا يزالوا مراقبين للمنعم عليهم ، ويجوز أن يكون المعنى أنه لما أمرهم بالمراقبة على نعمة الركوب ، عبر بالانقلاب تذكيراً بنعمته عليهم في حال الدعة والسكون قبل الانقلاب وبعده ، أي وإنا بعد رجوعنا إلى نعمة ربنا لمنقلبون أي وإنا في نعمة في كل حال ، روى أحمد وأبو داود والترمذي - وقال : حسن صحيح - والنسائي عن علي رضي الله عنه أنه وضع رجله في الركاب وقال : بسم الله ، فلما استوى على الدابة قال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا - الآية ، ثم حمد الله ثلاثاً وكبر ثلاثاً ثم قال : سبحانك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي ، ثم ضحك ، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثله ، وقال : " يعجب الرب من عبده إذا قال : رب اغفر لي ويقول : علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري "

روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابة ، فلما استوى عليها كبر ثلاثاً وحمد الله ثلاثاً وسبح ثلاثاً وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه فضحك ثم أقبل علي فقال : ما من امرىء مسلم يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله عليه يضحك إليه كما ضحكت إليك " وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثاً ثم قال : " سبحان الذي سخر لنا هذا الآية ، ثم يقول : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد ، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم اصبحنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا ، وكان إذا رجع إلى أهله قال : آئبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون "

وروى أحمد عن أبي لاس الخزاعي رضي الله عنه قال : " حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج ، فقلنا : يا رسول الله ! ما نرى أن تحملنا هذه ، فقال : ما من بعير إلا في ذروته شيطان فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما أمركم ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله عز وجل " .