الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

فإن قلت : كيف اتصل بذلك قوله : { وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ؟ قلت : كم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك ، وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا ؛ فلما كان الركوب مباشرة أمر مخطر ، واتصالاً بسبب من أسباب التلف : كان من حق الراكب وقد اتصل بسبب من أسباب التلف أن لا ينسى عند اتصاله به يومه ، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى الله غير منفلت من قضائه ، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعداً للقاء الله بإصلاحه من نفسه ، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه ، ويستعيذ بالله من مقام من يقول لقرنائه : تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق ؛ فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف ، فلا يزالون يسقون حتى تميل طلاهم وهم على ظهور الدواب ، أو في بطون السفن وهي تجري بهم ، لا يذكرون إلا الشيطان ، ولا يمتثلون إلا أوامره . وقد بلغني أنّ بعض السلاطين ركب وهو يشرب من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر ، فلم يصح إلا بعدما اطمأنت به الدار ، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به ، فكم بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر الله به في هذه الآية . وقيل : يذكرون عند الركوب ركوب الجنازة .