الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (14)

{ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أَمْرٌ بالإقرار بالبعث .

( ت ) : وعن حمزة بن عمرو الأسلميِّ قال : قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " على ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ ، فَإذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ " رواه ابن حِبَّان في «صحيحه » ، انتهى من «السلاح » ، وينبغي لمن مَلَّكَهُ اللَّه شيئاً من هذا الحيوان أَنْ يَرْفُقَ به ويُحْسِنَ إليه ؛ لينالَ بذلك رضا اللَّه تعالى ، قال القُشَيْرِيُّ في «التحبير » : وينبغي لِلْعَبْدِ أنْ يكُونَ مُعَظِّماً لِرَبِّه ، نَفَّاعاً لخلقه ، خيراً في قومه ، مُشْفِقاً على عباده ؛ فَإنَّ رأس المعرفة تعظيمُ أمر اللَّه سبحانه ، والشفقَةُ على خَلْقِ اللَّه ، انتهى . وروى مالكٌ في «المُوَطَّإ » عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّه قال : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إذِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، فَخَرَجَ فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ ، يَأْكُلُ الثرى مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقَى فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإنَّ لَنَا في الْبَهَائِمِ أَجْرَاً ؟ ! فَقَالَ : في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " .

قال أبو عُمَرَ في «التمهيد » : وكذا في الإساءة إلى الحيوان إثْمٌ ، وقد روى مالكٌ ، عن نافع ، عن ابنِ عمر ؛ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، ولاَ هِيَ أَطْلَقَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ " ، ثم أسند أبو عُمَرَ ؛ أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ حَائِطاً مِنْ حِيطَانِ الأَنْصَارِ ، فَإذَا جَمَلٌ قَدْ أُتِيَ فَجُرْجِرَ ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ ، فَسَكَنَ ، فَقَالَ : مَنْ صَاحِبُ الجَمَلِ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأنْصَارِ ، فَقَالَ : هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ في هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ ؛ إنَّهُ شَكَا إلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ " ومعنى ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، أي : قَطَرَتْ دموعُهما قطراً ضعيفاً ، والسَّرَاةُ الظَّهْرُ ، والذفرى : ما وراءَ الأذنَيْن عن يمين النُّقْرَةِ وشِمَالِهَا ، انتهى .