ضريع : شيء في النار ، كالشوك مر منتن .
لا يغني من جوع : لا يدفع عنهم جوعا .
6 ، 7- ليس لهم طعام إلا من ضريع* لا يسمن ولا يغني من جوع .
يسلط على أهل النار الجوع ، فيحتاجون إلى الطعام فيقدم لهم الضريع ، وهو طعام خبيث به شوك ، ويجبرون على أكل الطعام حتى تمتلئ بطونهم به ، ومع هذا الألم فإن الطعام لا يقدم لهم الفائدة المرجوة ، فلا يقدم لهم الشحم أو اللحم الذي يسمّن جسومهم ، ولا الغذاء الذي يسدّ جوعهم ، وقد تعددت أراء المفسرين وأهل اللغة في بيان الضريع .
( والرأى –والله أعلم- أنه من طعام أهل النار ، لا يعرف له شبيه في الحياة الدنيا ، ولهذا وصفه الله سبحانه بأنه : لا يسمن ولا يغني من جوع . أي : إنه لا تتقبله الأجسام ، ولا تتفاعل معه ، كما أنه لا يشبع جوع الجياع . . . )iii .
وقد ذكر في القرآن الكريم ألوان العذاب ، وألون الطعام ، وذكر في سورة الحاقة قوله تعالى :
ولا طعام إلا من غسلين . ( الحاقة : 36 ) .
وهذا يفيد أن المعذبين من الكفار طبقات ، فمنهم من طعامه في النار الضريع ، ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الزقوم .
قال تعالى : إن شجرة الزّقوم* طعام الأثيم* كالمهل يغلي في البطون* كغلي الحميم . ( الدخان : 43 -46 ) .
وهي ألوان من العذاب في الطعام وفي الشراب وفي سمة الوجوه ، وفي ألوان العذاب للأبدان ، وفي ألوان الهوان للنفوس ، وكأن الحق سبحانه يقول :
أيها الناس ، أنقذوا أنفسكم من هذا العذاب ، والوسيلة يسيرة ، وهي أن تؤمنوا بالله تعالى وحده ، وألا تشركوا به شيئا ، وأن تؤمنوا بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمنوا بالقضاء والقدر خيره وشره ، حلوه ومره .
قوله تعالى : " ليس لهم " أي لأهل النار . " طعام إلا من ضريع " لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم . قال عكرمة ومجاهد : الضريع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض ، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا ، فإذا يبس فهو الضريع ، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه ، وهو سم قاتل ، وهو أخبث الطعام وأشنعه ، على هذا عامة المفسرين . إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يرمى به البحر ، يسمى الضريع ، من أقوات الأنعام لا الناس ، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع ، وهلكت هزلا . والصحيح ما قاله الجمهور : أنه نبت . قال أبو ذؤيب{[15997]} :
رَعَى الشِّبْرَقَ الريَّانَ حتى إذا ذَوَى *** وعادَ ضَرِيعًا بان منه{[15998]} النَّحَائِصُ
وقال الهذلي{[15999]} وذكر إبلا وسوء مرعاها :
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضريعِ فكلُّها *** حَدْبَاءُ داميةُ اليدينِ حَرُودُ{[16000]}
وقال الخليل : الضريع : نبات أخضر منتن الريح ، يرمي به البحر . وقال الوالبي عن ابن عباس : هو شجر من نار ، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها . وقال سعيد بن جبير : هو الحجارة ، وقاله عكرمة . والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا . وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( الضريع : شيء يكون في النار ، يشبه الشوك ، أشد مرارة من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأحر من النار ، سماه اللّه ضريعا ) . وقال خالد بن زياد : سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية " ليس لهم طعام إلا من ضريع " قال : بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم ، حملها القيح والدم ، أشد مرارة من الصبر ، فذلك طعامهم .
وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه اللّه من العذاب . وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون ، ويتضرعون منه إلى اللّه تعالى ، طلبا للخلاص منه ، فسمي بذلك ؛ لأن أكله يضرع في أن يعفى منه ، لكراهته وخشونته . قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع ، وهو الذليل ، أي ذو ضراعة ، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة . وعن الحسن أيضا : هو الزقوم . وقيل : هو واد في جهنم . فاللّه أعلم . وقد قال اللّه تعالى في موضع آخر : " فليس له اليوم ههنا حمم . ولا طعام إلا من غسلين{[16001]} " [ الحاقة :35 - 36 ] . وقال هنا : " إلا من ضريع " وهو غير الغسلين . ووجه الجمع أن النار دركات ، فمنهم من طعامه الزقوم ، ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد . قال الكلبي : الضريع في درجة ليس فيها غيره ، والزقوم في درجة أخرى . ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال : " يطوفون بينها وبين حميم آن{[16002]} " [ الرحمن : 44 ] . القتبي : ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النار . وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها ، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار . قال : وإنما دلنا اللّه على الغائب عنده ، بالحاضر عندنا ، فالأسماء متفقة الدلالة ، والمعاني مختلفة . وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها . القشيري : وأمثل من قول القتبي أن نقول : إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب ، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار ، ليعذب بها الكفار . وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار ، ولا أنهم يأكلونه . فالضريع من أقوات الأنعام ، لا من أقوات الناس . وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع ، وهلكت هزلا ، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم ، وضرب الضريع له مثلا ، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع . قال الترمذي الحكيم : وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنيء ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة اللّه تعالى ، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار ، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا ، فلا النار تحرق الشجر ، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار ، فقال تعالى : " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون{[16003]} " [ يس : 80 ] . وكما قيل حين نزلت " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم " [ الإسراء : 97 ] : قالوا يا رسول اللّه ، كيف يمشون على وجوههم{[16004]} ؟ فقال : [ الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ] . فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب . أو ليس قد أخبرنا أنه " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا{[16005]} غيرها " [ النساء : 56 ] ، وقال : " سرابيلهم من قطران{[16006]} " [ إبراهيم : 50 ] ، وقال : " إن لدينا أنكالا{[16007]} " [ المزمل : 12 ] أي قيودا . " وجحيما وطعاما ذا غصة " قيل : ذا شوك . فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء .
ولما ذكر ما يسقونه على وجه علم منه أنه لا يلذذ ولا يروي من عطش ، أتبعه ما يطعمونه فقال حاصراً له : { ليس لهم } أي هؤلاء الذين أذابوا أنفسهم في عبادة لم يأذن الله فيها { طعام } أصلاً { إلا من ضريع * } أي يبيس الشبرق ، وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطباً ، فإذا يبس تحامته ، وهو سم ، وقال في القاموس : والضريع كأمير : الشبرق أو يبيسه أو نبات رطبه يسمى شبرقاً ، ويابسه يسمى ضريعاً ، لا تقربه دابة لخبثه ، أو شيء في جهنم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأحرّ من النار ، ونبات منتن يرمى به البحر ، وقال الهروي في الغريبين وعبد الحق في الواعي : الضريع : الشبرق ، وهو نبات معروف بالحجاز ذو شوك ، ويقال شبرق ما دام رطباً ، فإذا جف فهو ضريع ، وقال القزاز في ديوانه : الضريع : يبيس من يبيس الشجر ، وقيل : هو يبيس الشبرق خاصة ، وقيل : هو نبات أخضر يرمى به البحر وهو منتن .
أبو حنيفة رحمه الله تعالى : وهو مرعى لا تعقد عليه السائمة شحماً ولا لحماً وإن لم تفارقه إلى غيره ساءت حالها . وقال ابن الأثير في النهاية : الضريع هو نبت بالحجاز له شوك كبار ، وقال : الشبرق نبات حجازي يؤكل وله شوك ، وإذا يبس سمي الضريع . وهذا ثوب مشبرق وهو الذي أفسد ، وفي نسجه سخافة ، وشبرقت الثوب أيضاً : حرقته ، وقال في القاموس : الشبرق كزبرج : رطب الضريع واحده بهاء ، قال البغوي رحمه الله تعالى : قال مجاهد وقتادة وعكرمة : هو نبت ذو شوك لاطىء بالأرض ، تسميه قريش الشبرق ، فإذا هاج سموه الضريع ، وهو أخبث طعام وأبشعه ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما . ولا يمتنع في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يكون الغسلين إذا انفصل عن أبدان أهل النار صار على هيئة الشبرق المسمى ضريعاً ، فيكون طعامهم الغسلين الذي هو الضريع ، ويمكن أن يكون ذلك كناية عن أقبح العيش ولا يراد به شيء بعينه - والله تعالى أعلم ، قال الملوي : وسمي ضريعاً لأن الإنسان يتضرع عند أكله من خشونته ومرارته ونتنه .