تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

95

101- { فبشرناه بغلام حليم } .

استجاب الله دعاء إبراهيم ، وبشره بولده البكر الحليم الصابر .

وقد انطوت البشارة على ثلاث :

1- أنه ولد ذكر .

2- أنه يبلغ ويدرك مدارك الشباب .

3- أنه يكون في غاية الحلم والخلق والرضا .

وجمهور العلماء والمفسرين على أن البشارة الأولى كانت بإسماعيل ، فلما امتحن الله إبراهيم بذبح ولده إسماعيل ، فصبر وأطاع وامتثل لأمر الله هو وابنه إسماعيل ، صرف الله عنك التكليف بذبح إسماعيل وأنزل الفداء من السماء ، وهو كبش كان يرعى في الجنة قدَّمه قابيل ، ثم حمله الملك إلى إبراهيم ليذبحه بديلا عن ذبح إسماعيل ، ثم كفأ الله إبراهيم بأن بشره بإسحاق ، وبشره بأن إسحاق سيلد حفيدا لإبراهيم يسمى يعقوب .

وزعمت اليهود أن الذبيح هو إسحاق ، حيث حسدوا المسلمين أن يتصف جدّ نبيهم بالحلم والصبر ، وقد اختار هذا الرأي ابن جرير الطبري .

واختار ابن كثير أن الذبيح هو إسماعيل ، وأورد مبحثا في تفسير هذه الآيات عنوانه : ( ذكر الآثار الواردة بأن الذبيح هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وهو الصحيح المقطوع به ) ، وفي رواية عن ابن عباس أنه قال : المُفدى إسماعيل عليه السلام ، وزعمت اليهود أنه إسحاق ، وكذبت اليهود .

وقد قال تعالى : { فبشرنها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } . [ هود : 71 ] .

أي : بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق ، وله فيه من الموعِد بما وعده ، وما الذي أُمر بذبحه إلا إسماعيل .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

قال الله تعالى : " فبشرناه بغلام حليم " أي أنه يكون حليما في كبره فكأنه بشر ببقاء ذلك الولد ؛ لأن الصغير لا يوصف بذلك ، فكانت البشرى على ألسنة الملائكة كما تقدم في " هود " {[13279]} . ويأتي أيضا في " الذاريات " {[13280]} .


[13279]:راجع ج 9 ص 62 طبعة أولى أو ثانية.
[13280]:في تفسير آية 28 من السورة المذكورة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

فتسبب عن دعوته أنا استجبناها له { فبشرناه بغلام } أي بذكر في غاية القوة التي ينشأ عنها الغلمة .

ولما كان هذا الوصف ربما أفهم الطيش ، وصفه بما أبقى صفاءه ونفى كدره فقال : { حليم * } أي لا يعجل بالعقوبة مع القدرة ، لأنه في غاية الرزانة والثبات ، فيكون ذلك إشارة إلى حصول بلاء ما يتبين به أنه سر أبيه أن إبراهيم لحليم ، والحلم لا يكون إلا بعد العلم ، ورسوخ العلم سبب لوجود الحلم ، وهو اتساع الصدر لمساوىء الخلق ومدانىء أخلاقهم ، وهذا الولد هو إسماعيل عليه السلام بلا شك لوجوه : منها وصفه بالحليم ، ووصف إسحاق عليه السلام في سورة الحجر بالعليم ، ومنها أن هذا الدعاء عند الهجرة حيث كان شاباً يرجو الولد ، وهو بكره الذي ولد له بهذه البشرى ، وهو الذي كان بمكة موضع الذبح ، فجعلت أفعاله في ذبحه مناسك للحج في منى كما جعلت أفعال أمه في مكة المشرفة أول أمره عندما أشرف على الموت من العطش مناسك ومعالم هناك ، وأما إسحاق عليه السلام فأتته البشرى فجأة وهو لا يرجو الولد لكبره ويأس أمرأته ، ولذلك راجع في أمره ولم ينقل أنه فارق أمه من بيت المقدس ، ولو كان هو الذبيح لذكره النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه حين سئل عن الأكرم فقال : " يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله " ، والرواية التي وردت بالإشارة إلى أنه الذبيح ضعيفة ، بل صرح شيخنا ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف بأن في سندها وضاعاً ، ولأن هذه السورة سورة التنزيه ، فأحق الناس بالذكر فيها - كما سلف - أعرق الناس في قدم التجريد ، وهو أولى الناس بذلك من حين كان حملاً إلى أن عولج ذبحه ، ولم يذكر ظاهراً ، فلو لم يكن المراد بهذا الكلام لكان ترك في هذه السورة - التي حالها هذا - من هو أرسخ الناس في الوصف المقصود بها ، وذلك خارج عن نهج البلاغة التي هي مطابقة المقال لمقتضى الحال ، بل هذا الحال لا يقتضي ذكر إسحاق عليه السلام ، لأنه لم يعلم له تجرد متفق عليه ، وما كان ذكره إلا لبيان جزاء إبراهيم عليه السلام لما اقتضاه مقامه في الاجسان في باب التجريد والفناء - والله الموفق .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

قوله : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } بشَّر الله نبيه إبراهيم بغلام ذي حلم إذا هو كبر . أما في طفولته فإنه لا يوصف بالحلم . وهذا الغلام الذي بُشِّر به إبراهيم عليه السلام لهو إسماعيل ؛ فهو أول ولد بُشّر به إبراهيم وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب . وكان مما ذكره أهل الكتاب أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده . وفي نسخة أخرى بكره . ثم أقحموا بعد ذلك اسم إسحاق على أنه الذبيح ، افتراء على الله وجنوحا للتعصب والباطل وجريا خلف الهوى الجامح ، ولقد أقحموا اسم إسحاق ؛ لأنه أبوهم ، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك على أنه يعي الذي ليس عنده غيره ؛ فإن إسماعيل كان قد ذهب أبوه به وبأمه إلى مكة . لا جرم أن هذا تأويل سقيم ، وتحريف ظالم وهو في غاية العوج والبطلان ؛ فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره . وذهب آخرون إلى أن الذبيح هو إسحق . وليس لهم في ذلك دليل ظاهر في كتاب ولا سنة . قال ابن كثير في هذا المعنى : وما أظن ذلك تُلُقِّي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأُخِذ ذلك قسما مُسلَّما من غير حجة .

والأولى بالصواب أن الذبيح هو إسماعيل . ويُحتج لذلك من الكتاب الحكيم بقوله سبحانه : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا ، والله جل وعلا صادق الوعد ، وكذلك قوله سبحانه : { فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عَقِبٌ ونسل فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب .

وذُكِر عن ابن عباس قوله في هذه المسألة : المفدي إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحق وكذبت اليهود . وروى عنه كثيرون أنه قال : الذبيح إسماعيل .