تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

23

المفردات :

وليدع ربه : فيه عدم المبالاة بدعاء موسى ربه ، ولعله تجلُّد ظاهري ، بينما يرتعد في الباطن من دعاء موسى لربه .

أن يبدل دينكم : أن يغير عبادتكم لي بعبادتكم لغيري .

الفساد : القتل وإثارة الفتن والتحارب وإفساد الدنيا .

التفسير :

26- { وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } .

كان فرعون إذا همّ بقتل موسى ، قال له مستشاروه : لا تعبأ به ، ما هو إلا ساحر يبطل عمله بعض السحرة ، وقالوا له : إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس ، حيث يقولون : لابد أن موسى على الحق ، وإن فرعون قد عجز عن معارضته بالحجة .

ولعل فرعون كان يحسُّ أن موسى على الحق ، وما هو بساحر ، ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك .

وهذا الفرعون الذي يرتعد من قتل موسى ، يتظاهر بالثبات وعدم الخوف ، فيقول للملأ من قومه : دعوني أقتل موسى ، وليدع ربه ليخلّصه مني إن كان إلها حقا .

ثم يذكر أسباب قتله فيقول :

{ إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } .

ولما كان الدين أهم عند الناس من الدنيا ، فقد أَلِفُوا ديانة معينة ، تلقنوها صغارا ، ومارسوها كبارا ، فعزف فرعون على أوتار ديانتهم فقال : إني أخاف أن يبدّل دينكم الذي أنتم عليه ، بديانة يدعو هو إليها ، أو يفسد دنياكم بالفتنة والصراع بين أتباع دينه وإتباع دينكم ، وهكذا يحتال الطغاة لأحكامهم ، بأن هدفهم الصالح العام ، والحرص على المصلحة العامة ، والأمر في حقيقته هو الخوف من الهداة والدعاة والمصلحين والحرص على سلامة العرش والملك .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

قوله تعالى : " وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه " " أقتل " جزم ؛ لأنه جواب الأمر " وليدع " جزم ؛ لأنه أمر و " ذروني " ليس بمجزوم وإن كان أمرا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني . وقيل : هذا يدل على أنه قيل لفرعون : إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب ، فقال : " وليدع ربه " أي لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى . " إني أخاف أن يبدل دينكم " أي عبادتكم لي إلى عبادة ربه " أو أن يظهر في الأرض الفساد " إن لم يبدل دينكم فإنه يظهر في الأرض الفساد . أي يقع بين الناس بسببه الخلاف . وقراءة المدنيين وأبي عبد الرحمن السلمي وابن عامر وأبي عمرو : " وأن يظهر في الأرض الفساد " وقراءة الكوفيين " أو أن يظهر " بفتح الياء " الفساد " بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين : " أو " بألف وإليه يذهب أبو عبيد . قال : لأن فيه زيادة حرف وفيه فصل ؛ ولأن " أو " تكون بمعنى الواو . النحاس : وهذا عند حذاق النحويين لا يجوز أن تكون بمعنى الواو ؛ لأن في ذلك بطلان المعاني ، ولو جاز أن تكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا ها هنا ؛ لأن معنى الواو " إني أخاف " الأمرين جميعا ومعنى " أو " لأحد الأمرين أي " إني أخاف أن يبدل دينكم " فإن أعوزه ذلك أظهر في الأرض الفساد .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

ولما أخبر تعالى بفعله بمن تابع موسى عليه السلام ، أخبر عن فعله معه بما علم به أنه عاجز عنه فقال : { وقال فرعون } أي أعظم الكفرة في ذلك الوقت لرؤساء أتباعه عندما علم أنه عاجز عن قتله وملاّه ما رأى منه خوفاً وذعراً ، دافعاً عن نفسه ما يقال من أنه ما ترك موسى عليه السلام مع استهانته به إلا عجزاً عنه ، موهماً أن آله هم الذين يردونه عنه ، وأنه لولا ذلك لقتله : { ذروني } أي اتركوني على أيّ حالة كانت { أقتل موسى } وزاد في إيهام الأغبياء والمناداة على نفسه عند البصراء بالفضيحة بقوله : { وليدع ربه } أي الذي يدعوه ويدعي إحسانه إليه بما يظهر على يديه من هذه الخوارق ، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً إعلاماً بأن الأمر صعب جداً لأنه كان منهم من يوهي أمره بأنه لا يؤثر ما هو فيه شيئاً أصلاً تقرباً إلى فرعون ، وإظهاراً للثبات على متابعته { إني أخاف } أي إن تركته { أن يبدل دينكم } أي الذي أنتم عليه من نسبة الفعل إلى الطبيعة بما يدعو إليه من عبادة إلهه .

ولما ألهبهم بهذا الكلام إلى ممالأتهم له على موسى عليه السلام ، زاد في ذلك بقوله : { وأن يظهر } أي بسببه - على قراءة الجماعة بفتح حرف المضارعة { في الأرض } أي كلها { الفساد * } وقرأ المدنيان والبصريان وحفص بالضم إسناداً إلى ضمير موسى عليه السلام وبنصب الفساد أي بفساد المعائش فإنه إذا غلب علينا قوي على من سوانا ، فسفك الدماء وسبى الذرية ، وانتهب الأموال ، ففسدت الدنيا مع فساد الدين ، فسمى اللعين الصلاح - لمخالفته لطريقته الفاسدة - فساداً كما هو شأن كل مفسد مع المصلحين ، وقرأ الكوفيون ويعقوب " أو أن " بمعنى أنه يخاف وقوع أحد الأمرين : التبديل أو ظهور ما هو عليه مما سماه فساداً ، وإن لم يحصل التبديل عاجلاً فإنه يحصل به الوهن .