{ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا }
ليعجزه : ليمنعه بالقهر والغلبة أو ليسبقه و يفوته .
أعمى هؤلاء الكفار فلم يسيروا في الأرض جهة الشام أو اليمن ليعتب روا بما أصاب المكذبين قبلهم مثل ثمود وعاد ، وغيرهم من الأمم الظالمة التي كذبت أنبياءها وعاندت وجحدت المعجزات والبينات وكانوا في قوة ومنعة ، وأجساد متينة شديدة ، وعمارات ومصانع ، وأبنية قوية عزيزة وقد اشتد عنتهم واعتدادهم بقوتهم وظنوا أن قدرة الله لا تصل إليهم .
قال تعالى : فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بئاياتنا يجحدون* فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحيواة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون . ( فصلت : 15-16 ) .
إن يد القدرة الإلهية التي أهلكت السابقين وكانوا أشد قوة من أهل مكة ، قادرة على أن تنزل العذاب بالكافرين المكذبين وقدرة الله لا تحد وما كان الله ليمنعه عن مراده أي شيء في السماوات ولا في الأرض فهو سبحانه فعال لما يريد : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . ( يس : 82 ) .
وكان سبحانه عليما : لا يغيب عن علمه شيء وكان سبحانه قديرا : لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب .
{ 44 - 45 } { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا }
يحض تعالى على السير في الأرض ، في القلوب والأبدان ، للاعتبار ، لا لمجرد النظر والغفلة ، وأن ينظروا إلى عاقبة الذين من قبلهم ممن كذبوا الرسل ، وكانوا أكثر منهم أموالا وأولادا وأشد قوة ، وعمروا الأرض{[747]} أكثر مما عمرها هؤلاء ، فلما جاءهم العذاب ، لم تنفعهم قوتهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا ، ونفذت فيهم قدرة اللّه ومشيئته .
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } لكمال علمه وقدرته { إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا }
ولما بيّن أن حالهم موجب ولا بد للإيقاع بهم لما ثبت من أيام الله ، وأنكر ذلك عليهم ، وكان التقدير : ألم يسمعوا أخبار الأولين المرة وأحوالهم المستمرة من غير تخلف اصلاً في أن من كذب رسولاً أخذ ، فقال عاطفاً عليه استشهاداً على الخبر عن سنته في الأولين بما يذكر من آثارهم : { أولم يسيروا } أي فيما مضى من الزمان { في الأرض } أي التي ضربوا في المتاجر بالسير إليها في الشام واليمن والعراق { فينظروا } أي فيتسبب لهم عن ذلك السير أنه يتجدد لهم نظر واعتبار يوماً من الأيام ، فإن العاقل من إذا رأى شيئاً تفكر فيه حتى يعرف ما ينطق به لسان حاله إن خفي عنه ما جرى من مقاله ، وأشار بسوقه في أسلوب الاستفهام إلى أنه لعظمه خرج عن أمثاله فاستحق السؤال عن حاله { كيف كان عاقبة } أي آخر أمر { الذين } ولما كان عواقب الدمار في بعض ما مضى من الزمان ، أثبت الجار فقال : { من قبلهم } أي على أيّ حالة كان أخذهم ليعلموا أنهم ما أخذوا إلا بتكذيب الرسل فيخافوا أن يفعلوا مثل أفعالهم فيكون حالهم كحالهم ، وهذا معنى آية يس
{ أنهم إليهم لا يرجعون }[ يس : 31 ] سواء كما يأتي أن شاء الله تعالى بيانه . ولما كان السياق لاتصافهم بقوتي الظاهر من الاستكبار والباطن من المكر الضار ، مكّن قوة الذين خوفهم بمثل مآلهم بوصفهم بالأشدية في جملة حالية فقال : { وكانوا } أي أهلكناهم لتكذيبهم رسلنا والحال أنهم كانوا { أشد منهم } أي من هؤلاء { قوة } في قوتي الاستكبار والمكر الجارّ بعد العار إلى النار .
ولما كان التقدير : فما أعجز الله أمر أمة منهم ، ولا أمر أحد من أمة حين كذبوا رسولهم ، وما خاب له ولي ولا ربح له عدو ، عطف عليه قوله ، مؤكداً إشارة إلى تكذيب الكفرة في قطعهم بأن دينهم لا يتغير ، وأنهم لا يغلبون أبداً لما لهم من الكثرة والمكنة وما للمسلمين من القلة والضعف : { وما كان الله } أي الذي له جميع العظمة ؛ وأكد الاستغراق في النفي بقوله : { ليعجزه } أي مريداً لأن يعجزه ، ولما انتفت إرادة العجز فيه انتفى العجز بطريق الأولى ! وأبلغ في التأكيد بقوله : { من شيء } أي قل أو جل ! وعم بما يصل إليه إدراكنا بقوله : { في السماوات } أي جهة العلو ، وأكد بإعادة النافي فقال : { ولا في الأرض } أي جهة السفل . ولما كان منشأ العجز الجهل ، علل بقوله مؤكداً لما ذكر في أول الآية : { إنه كان } أي أزلاً وأبداً { عليماً } أي شامل العلم { قديراً * } أي كامل القدرة ، فلا يريد شيئاً إلا كان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.