باركنا عليه : أفضلنا عليه البركات .
ظالم لنفسه : موبق لها ، ومهلكها بالكفر والمعاصي .
113- { وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } .
أنزلنا البركة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وعلى إسحاق ابنه ، حيث باركنا فيه وجعلنا النبوة في عقبه ، وطلبنا من المسلمين في صلواتهم أن يدعوا لهم بالبركة فيقولوا : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
{ ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } .
أي : ومن ذرية إبراهيم وإسحاق من أحسن في عمله فآمن بربه ، وأطاع أمره ، واجتنب نواهيه ، ومن ذريتهما من ظلم نفسه ظلما مبينا واضحا ، حيث دسَّى نفسه بالكفر والفسوق والمعاصي ، وفي ذلك تنبيه إلى أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعنصر دائما ، فقد يلد البار فاجرا ، وقد يلد الفاجر بارا ، فابن نوح أغرق ودخل النار ، ووالد إبراهيم كان من الضّالين ، وزوجتا نوح ولوط نموذج لكافرتين في النّار ، وزوجة فرعون نموذج لامرأة مؤمنة لها في الجنة منزلة عالية .
وهكذا لا يضير الآباء ظلم الأنبياء ، ولا يعود عليهم بنقيصة ، ما داموا لم يقصروا في تربية أو توجيه أو نصيحة .
{ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ } أي : أنزلنا عليهما البركة ، التي هي النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما ، فنشر اللّه من ذريتهما ثلاث أمم عظيمة : أمة العرب من ذرية إسماعيل ، وأمة بني إسرائيل ، وأمة الروم من ذرية إسحاق . { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ } أي : منهم الصالح والطالح ، والعادل والظالم الذي تبين ظلمه ، بكفره وشركه ، ولعل هذا من باب دفع الإيهام ، فإنه لما قال : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إسحاق } اقتضى ذلك البركة في ذريتهما ، وأن من تمام البركة ، أن تكون الذرية كلهم محسنين ، فأخبر اللّه تعالى أن منهم محسنا وظالما ، واللّه أعلم .
" وباركنا عليه وعلى إسحاق " أي ثنينا عليهما النعمة وقيل كثرنا ولدهما ، أي باركنا على إبراهيم وعلى أولاده ، وعلى إسحاق حين أخرج أنبياء بني إسرائيل من صلبه . وقد قيل : إن الكناية في " عليه " تعود على إسماعيل وأنه هو الذبيح . قال المفضل : الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل ، وذلك أنه قص قصة الذبيح ، فلما قال في آخر القصة : " وفديناه بذبح عظيم " ثم قال : " سلام عل إبراهيم . كذلك نجزي المحسنين " قال : " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه " أي على إسماعيل " وعلى إسحاق " كنى عنه ؛ لأنه قد تقدم ذكره . ثم قال : " ومن ذريتهما " فدل على أنها ذرية إسماعيل وإسحاق ، وليس تختلف الرواة في أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة .
قلت : قد ذكرنا أولا ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل ، وأن المبشر به هو إسحاق بنص التنزيل ، فإذا كانت البشارة بإسحاق نصا فالذبيح لا شك هو إسحاق ، وبشر به إبراهيم مرتين : الأولى بولادته والثانية بنبوته . كما قال ابن عباس . ولا تكون النبوة إلا في حال الكبر و " نبيا " نصب على الحال والهاء في " عليه " عائدة إلى إبراهيم وليس لإسماعيل في الآية ذكر حتى ترجع الكناية إليه . وأما ما روي من طريق معاوية قال : سمعت رجلا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن الذبيحين ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال معاوية : إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم ، نذر لله إن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده لله ، فسهل الله عليه أمرها ، فوقع السهم على عبد الله ، فمنعه أخواله بنو مخزوم ، وقالوا : افد ابنك ، ففداه بمائة من الإبل وهو الذبيح ، وإسماعيل هو الذبيح الثاني فلا حجة فيه ؛ لأن سنده لا يثبت على ما ذكرناه في كتاب الأعلام في معرفة مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام ؛ ولأن العرب تجعل العم أبا ، قال الله تعالى : " قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق " [ البقرة : 133 ] وقال تعالى : " ورفع أبويه على العرش " [ يوسف : 100 ] وهما أبوه وخالته . وكذلك ما روي عن الشاعر الفرزدق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لو صح إسناده فكيف وفي الفرزدق نفسه مقال .
السابعة عشرة- قوله تعالى : " ومن ذريتهما محسن وظالم " لما ذكر البركة في الذرية والكثرة قال : منهم محسن ومنهم مسيء ، وإن المسيء لا تنفعه بنوة النبوة ؛ فاليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق ، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل ، فلا بد من الفرق بين المحسن والمسيء والمؤمن والكافر ، وفي التنزيل : " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " [ المائدة : 18 ] الآية ، أي أبناء رسل الله فرأوا لأنفسهم فضلا . وقد تقدم{[13294]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.