السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

وتسمى سورة النبأ مكية وهي أربعون أو إحدى وأربعون آية ومائة وثلاثة وسبعون كلمة وسبعمائة وسبعون حرفاً .

{ بسم الله } الذي له الملك كله { الرحمن } الذي عم الوجود بفضله { الرحيم } الذي تمحضت أولياؤه جنته .

وقوله تعالى : { عم } أصله عن ما على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية وأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما ، كقوله فيم واستعمال الأصل قليل . ومنه قول حسان :

على ما قام يشتمني لئيم *** كخنزير تمرّغ في رماد

ومعنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن كأنه قال عن أي شيء { يتساءلون } ، ونحوه قولك : زيد ما زيد جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنه شيء خفي عليك ، فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره كما تقول : ما الغول ، وما العنقاء تريد أي شيء هو من الأشياء هذا أصله ، ثم جرد للعبارة عن التفخيم حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية ، ولذا لما وقف البزي ألحق الميم هاء السكت بخلاف عنه ، والضمير في يتساءلون لأهل مكة ، كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم . وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ماذا جاء به محمد ، ويسألون الرسول والمؤمنين عنه استهزاء ، وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين جميعاً وكانوا جميعاً يتساءلون عنه ، أما المسلم فليزداد خشية واستعداداً ، وأما الكافر فليزداد استهزاء .