إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ} (37)

{ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين } ورودُ الجوابِ بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يُؤذِنُ بكون السائلِ تبعاً لهم في ذلك ، دليلٌ على أنه إخبارٌ بالإنظار المقدر لهم أزلاً ، لا إنشاءٌ لإنظار خاصَ به وقع إجابةً لدعائه ، أي إنك من جملة الذين أُخّرت آجالُهم أزلاً حسبما تقتضيه حكمةُ التكوين ، فالفاءُ ليست لربط نفس الإنظار بالاستنظار بل لربط الإخبارِ المذكور به ، كما في قوله : [ الوافر ]

فإن ترحم فأنت لذاك أهل *** . . . . . . . .

فإنه لا إمكان لجعل الفاءِ فيه لربط ما فيه تعالى من الأهلية القديمةِ للرحمة بوقوع الرحمةِ الحادثة ، بل هي لربط الإخبار بتلك الأهليةِ للرحمة بوقوعها ، وأن استنظاره كان طلباً لتأخير الموتِ إذ به يتحقق كونُه من جملتهم ، لا لتأخير العقوبة كما قيل ، ونظمه في ذلك في سلك من أُخِّرت عقوبتُهم إلى الآخرة في علم الله تعالى ممن سبق من الجن ولحِق من الثقلين لا يلائم مقامَ الاستنظار مع الحياة ، ولأن ذلك التأخيرَ معلومٌ من إضافة اليوم إلى الدين مع إضافته في السؤال إلى البعث كما عرفته ، وفي سورة الأعراف : { قَالَ أَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المنظرين } بترك التوقيتِ والنداءِ ، والفاء في الاستنظار والإنظارِ تعويلاً على ما ذكر هاهنا ، وفي سورة ص ، فإن إيراد كلامٍ واحد على أساليبَ متعددةٍ غيرُ عزيزٍ في الكتاب العزيز ، وأما أن كل أسلوب من أساليب النظم الكريمِ لا بد أن يكون له مقامٌ يقتضيه مغايرٌ لمقام غيره ، وأن ما حُكي من اللعين إنما صدر عنه مرة وكذا جوابُه لم يقع إلا دَفعةً ، فمقامُ المجاورة إن اقتضى أحدَ الأساليبِ المذكورة فهو المطابقُ لمقتضى الحال والبالغُ إلى طبقة الإعجاز وما عداه قاصرٌ عن رتبة البلاغة فضلاً عن الارتقاء إلى معالم الإعجازِ ، فقد مر تحقيقه بتوفيق الله تعالى في سورة الأعراف .