إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ} (38)

{ إلى يَوْمِ الوقت المعلوم } وهو وقتُ النفخة الأولى التي علم أنه يَصْعَق عندها من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله تعالى ، ويجوز أن يكون المرادُ بالأيام واحداً ، والاختلافُ في العبارات لاختلاف الاعتباراتِ ، فالتعبيرُ بيوم البعث لأن غرض اللعين يتحقق ، وبيوم الدين لما ذُكر من الجزاء ، وبيوم الوقت المعلومِ لما ذُكر أو لاستئثاره تعالى بعلمه فلعل كلاًّ من هلاك الخلق جميعاً وبعثهم وجزائِهم في يوم واحد ، يموت اللعينُ في أوله ويُبعث في أواسطه ويعاقب في بقيته . يُروى أن بين موتِه وبعثه أربعين سنةً من سِني الدنيا مقدارَ ما بين النفختين ، ونقل عن الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى أنه قال : قدِمتُ المدينة أريد أميرَ المؤمنين عمرَ رضي الله تعالى عنه ، فإذا أنا بحلقة عظيمة وكعبُ الأحبار فيها يحدث الناس وهو يقول : لما حضر آدمَ عليه الصلاة والسلام الوفاةُ قال : يا رب سيشمت بي عدوي إبليسُ إذا رآني ميتاً وهو مُنْظَرٌ إلى يوم القيامة ، فأجيب أنْ يا آدمُ إنك سترِد إلى الجنة ويؤخَّر اللعينُ إلى النظرة ليذوقَ ألمَ الموتِ بعدد الأولين والآخِرين ، ثم قال لملك الموت : صِفْ كيف تذيقه الموتَ ، فلما وصفه قال : يا رب حسبي . فضجّ الناسُ وقالوا : يا أبا إسحاقَ كيف ذلك ؟ فأبى ، فألحّوا فقال : يقول الله سبحانه لملك الموت عقِبَ النفخةِ الأولى : « قد جعلت فيك قوةَ أهلِ السماوات السبع ، وأهلِ الأرضينَ السبعِ ، وإني ألبستُك اليوم أثوابَ السخط والغضب كلَّها ، فانزِلْ بغضبي وسطوتي على رجيمي إبليسَ فأذِقْه الموتَ واحمِلْ عليه فيه مرارةَ الأولين والآخرين من الثقلين أضعافاً مضاعفةً ، وليكن معك من الزبانية سبعون ألفاً قد امتلأوا غيظاً وغضباً ، وليكن مع كل منهم سلسلةٌ من سلاسل جهنم وغُلٌّ من أغلالها ، وأنزل روحَه المُنتنَ بسبعين ألفَ كلاب من كلاليبها ، ونادِ مالكاً ليفتح أبواب النيران » فينزل ملكُ الموت بصورة لو نظر إليها أهلُ السماوات والأرضين لماتوا بغتةً من هولها ، فينتهي إلى إبليس فيقول : قف لي يا خبيثُ لأُذيقنّك الموت كم من عمر أدركتَ وقرونٍ أضللتَ وهذا هو الوقتُ المعلوم ، قال : فيهرُب اللعين إلى المشرِق فإذا هو بملك الموت بين عينيه ، فيهرُب إلى المغرِب فإذا هو به بين عينيه ، فيغوص البحارَ فتنز منه البحارُ فلا تقبله ، فلا يزال يهرُب في الأرض ولا محيصَ له ولا ملاذ ، ثم يقوم في وسط الدنيا عند قبر آدمَ ويتمرغ في التراب من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق ، حتى إذا كان في الموضع الذي أهبط في آدمُ عليه الصلاة والسلام ، وقد نَصبت له الزبانية الكلاليبَ وصارت الأرض كالجمرة احتوشته الزبانية وطعنوه بالكلاليب ، ويبقى في النزع والعذاب إلى حيث يشاء الله تعالى ، ويقال لآدمَ وحواءَ : اطَّلِعا اليوم إلى عدوكما كيف يذوق الموت ، فيطّلعان فينظران إلى ما هو فيه من شدة العذاب فيقولان : ربنا أتممتَ علينا نعمتك .